اعتُبر على الدوام من أفضل الملحّنين في الأغنية العراقية، بل أحد المجدّدين فيها. واكتشفَ أفضل أصوات السبعينيات التي تكرّست لاحقاً على درب النجومية. لكنّ أعماله اشتُهرت وحدها وتركته على قارعة الطريق. صاحب «يا طيور الطايرة» و«شوق الحمام» ما زال يقبع في المنفى، ويخطّط لمشاريع جديدة

سعد هادي
لم يلحِّن كوكب حمزة خلال سنوات احترافه الفني التي تجاوزت الأربعين سوى 50 أغنية. رغم ذلك، عُدَّ دوماً من بين أفضل الملحّنين في الأغنية العراقية، بل أحد المجدّدين فيها. هو الذي غادر العراق منذ 1974، اكتشفَ من خلال أغنياته ثلاثة من أفضل الأصوات في السبعينيات: سعدون جابر وحسين نعمة ورياض أحمد. سلك هؤلاء طريق النجومية بفضل الألحان الأولى التي قدّمها إليهم، فيما تراجعت شهرته هو. حتى يمكن القول إنّه أصبح شبه مجهول الآن عراقياً وعربياً، ليس لدى جمهور المتذوّقين فحسب، بل لدى الكثير من المشتغلين في حقل الغناء والموسيقى أيضاً، وهو لا يعيد ذلك إلى خروجه المبكر من العراق بسبب موقفه السياسي، بل يعيده أيضاً إلى عدم سعيه لأن يكون مشهوراً. فالكثير من ألحانه تُستنسخ وتوزَّع اليوم من دون أن يشار إليه، كما أنّ بعض ألحانه يقبع في الظل، رغماً عنه، ومنه أغنية «نحبكم» من شعر زهير الدجيلي، التي يعدّها الأكثر تمثيلاً له. وقد اشترت حقوق تنفيذ هذه الأغنية شركة «ميوزيك بوكس» الإماراتيّة عام 1996 مع أربعة ألحان أخرى له، لكنّ مصيرها ظل مجهولاً منذ ذلك الحين. يعترف كوكب حمزة بأنّه يخضع لمزاجه كملحّن مع شيء من الكسل، لكن مشكلته الأولى هي العثور على نص شعري مقبول.
بداياته كملحّن كانت مع قصيدة «الريل وحمد» وهي من أشهر ما كتبه الشاعر العراقي مظفّر النواب باللهجة المحكية. لكنّ ذلك اللحن الذي أنجزه عام 1968 لم يُسجَّل للإذاعة إلى جانب لحن آخر من شعر النواب أيضاً هو «حن وانه أحن».. وقد لحّن القصيدتين لاحقاً ملحنان آخران واشتهرا، فيما سقط لحنا كوكب حمزة من الذاكرة. حتى إنّه شخصياً لم يعد يتذكرهما، لكنه جرّب في الشهور الأخيرة أن يعيد تلحين «الريل وحمد» ويقدّمها بتوزيع أوركسترالي جديد وبصوت مطرب شاب اكتشَفه هو علي رشيد، وذلك تحيةً منه إلى «أستاذه» النواب الذي التقاه للمرة الأولى في أحد المعتقلات عام 1963.
كان النوّاب سجيناً مزمناً. أما حمزة، فقُبض عليه بعدما شارك في «إضراب البنزين» كما عُرف آنذاك. كانت تلك تجربته الأولى سجيناً، وقد أعقبتها تجارب أخرى. يتذكر أنّ الملحن فاروق هلال الذي اشتهر مطرباً وملحناً في وقت لاحق، كان يزوره يومياً في المعتقل... لكنّ السياسة فرّقتهما، حين أصبح هلال من أشهر مَن لحنوا الأناشيد التي تتغنى بصدام. يتذكر أيضاً أنّه أدى دوراً صغيراً في فيلم سينمائي من بطولة هلال رداً للجميل، رغم أنه كان يصاب بحالة من الرعب أمام الكاميرا. كما مثّل في فيلم «أوراق الخريف»، وقد أعيد تصوير المشهد الذي يظهر فيه نادلاً في بار مرات عدة، لأنّه كان يخطئ في الحركة والحوار. لا يتذكّر حمزة لماذا اختاره مخرج الفيلم حكمت لبيب لأداء الدور، فيما كان زملاؤه في قسم المسرح مجرّد كومبارس في الفيلم. وحين سُجن ودخل الفيلم مرحلة المونتاج، أضاف المخرج جمل الحوار بصوته لأنّ كوكب كان معتقلاً.
بعد ذلك، لم يمثّل حمزة مطلقاً، لكنّه وضع الموسيقى لعدد من المسرحيات والأفلام والمسلسلات، من بينها مسرحيتان لجواد الأسدي وفيلمان لقاسم حول. يتذكر أنّ أقرب أصدقائه في معهد الفنون الجميلة كانوا من طلبة قسم المسرح، ومنهم تعلّم القراءة، وتورّط معهم في نقاشات سياسية لا تنتهي. كانت الستينيات ــــ كما يقول ـــ فترة مخاض في العراق، أدّت لاحقاً إلى إنجازات كبيرة في المسرح والفن التشكيلي والسينما والأدب والصحافة... وكذلك إلى حركة تجديد في الموسيقى كان حمزة أحد روّادها. لكنه يقول إنّه حاول فقط ولا يعرف المدى الذي وصلت إليه محاولته التجديدية. حتى أغنيته الشهيرة «يا نجمة» التي أدّاها حسين نعمة لا يعتبرها تجاوزاً فنياً كما ينظر إليها النقاد، بل إعادة صياغة عصرية للحن قديم. نعم، كان هناك مدٌّ يساري كما يرى وكان لمعظم المثقفين علاقة ما بالحزب الشيوعي أو بالأحزاب الأخرى، لكنّها كان مرحلة إعادة النظر بالذات، وانفتاح على العالم، وكانت ثمة حركة اجتماعية تنمو تدريجاً.
أعقبت كل ذلك فترة الاحتراب التي تميّزت بها سنوات الستينيات الأولى. وكانت السبعينيات بكل ما فيها أشبه باستراحة محارب، في انتظار الطوفان المقبل الذي سيأخذ العراق إلى المجهول. كانت لديه بالطبع في تلك السنوات أحلام كبيرة، لكنه لم يستطع تحقيق أيّ منها، كان جزءاً من حركة شاملة سرعان ما تلاشت. قدّم حينذاك أغنيات ما زال الجمهور يرددها من دون أن يعرف أنّ كوكب حمزة ملحّنها: «يا طيور الطايرة» لسعدون جابر، و«شوق الحمام» لفاضل عواد، و«تانيني» لفؤاد سالم، و«الحاصودة» لمائدة نزهت... و«محطات» التي غناها هو وكانت أغنية الشباب اليساري آنذاك. لكنّه لا يخفي أنّه يكره صوته ولا يطربه كملحن، لذا لم يعد إلى الغناء ثانية... مثلما لم يعد يعزف الناي عشقه الأول، بسبب إدمانه على التدخين وتقدّمه في السن.
مراهقاً، سحره صوت الناي. كان يبكي حين يصغي إلى جار له يعزف عليه ليلاً. قرر أن يتعلم العزف مهما كان الثمن، وكان الناي وسيلةً لقبوله في معهد الفنون الجميلة. لم يعرف أحد من عائلته أنّه كان طالباً في المعهد، كان يظنون أنّه يدرس في معهد لإعداد المعلمين. حتى حين وصلت برقية خلال العطلة الصيفية تؤكد نجاحه بتفوق في المعهد، لم يصدق أحد ذلك. لم يكن ممَّن يعول عليهم تلميذاً، مثلما لم يعوِّل عليه أحد حين أصبح معلماً للموسيقى في البصرة لبضع سنين بعد تخرّجه. كان الطلاب يحبّونه لشيء واحد: كان يتغيب أكثر منهم! يعترف بأنّه لا يصلح للتعليم، كما لا يصلح لأي وظيفة أخرى، وقد قضى سنوات حياته متفرغاً للفن. لكن إنتاجه ظل دون مستوى طموحه بسبب غربته، ومزاجيته، وبحثه عما هو جديد.
حين نسأله عن مثله الأعلى في التلحين، يجيب بلا تردّد: رياض السنباطي الذي تأثر به روحياً، وبليغ حمدي الذي يؤكد بأنّه أستاذه المباشر. وقد قال له شاعر العامية عبد الرحمن الأبنودي حين زار مصر عام 1999: «لقد جئت متأخّراً يا كوكب، لو كان بليغ حياً لما افترقتما، إنّه يُشبهك في أشياء كثيرة». أما الأصوات التي تطربه، فهي كثيرة لكنّه يجد مبتغاه دائماً في الأصوات الجديدة. علي رشيد الذي يؤدي صياغته اللحنية الجديدة لأغنية «الريل وحمد» صوت مستقبلي على حدّ وصفه، وقد حاز ثقة مظفر النواب الذي أعجبته الصياغة مثلما أعجبه الصوت. اليوم يفكّر في قصائد جديدة للنواب لم تلحَّن قبلاً، ويعدها مشاريعه للقادم من الأيام. مشاريع نعم، أما التنفيذ فلا بأس من الانتظار لبضع سنوات، فمن يدري قد تتحسّن الظروف ويعتدل المزاج.


5 تواريخ

1944
الولادة في مدينة القاسم قرب بابل (العراق)

1964
تخرج من قسم الموسيقى في معهد الفنون الجميلة، بغداد.

1969
قدم أول لحن له إلى المطربة غادة سالم عبر إذاعة بغداد

1974
بدأت رحلة المنفى الطويلة التي قادته إلى بلدان عديدة. يعيش حالياً بين الدنمارك وسوريا

2008
غنت له المطربة فريدة «بيان الحب»