يرتبط «18 وما فوق» في ذهن الشبّان بالأفلام أكثر من الانتخابات. فعندما تظهر هذه الجملة، يصبح الفيلم مرغوباً. أما في السياسة، فغير المتحزبين يفضّلون البحث عن العمل على الاقتراع
أحمد محسن
لماذا أنتخب؟ ماذا أستفيد؟ ما الفرق؟ أسئلة يرددها أغلب الشباب، ولا يجدون لها أجوبة. «الوجوه ذاتها والمرّشحون هم أنفسهم»، يقول حسين قمر، الذي يستعد لدخول كلية الهندسة. لا يفهم قمر لماذا كل هذه الأصوات التي تطالب بمنح الشباب حق الاقتراع، ويشعر بأنّه غير معني بالموضوع نهائياً، يؤكد أنه لا يفهم شيئاً من قانون الانتخابات، ولا يعرف أحداً من المرّشحين إلاّ مرّشحي «الحزب». والحزب هو عرفاً في لغته «حزب الله»، والحركة هي «حركة أمل». يحذف «الله» و«أمل» من اسميهما للإيحاء بأنّه ليس من حزب أو حركة غيرهما في المضمون والبعد الاجتماعي. لا يعرف قمر ما إذا كان هناك مرّشحون فعلاً ضد الوجوه السياسية التقليدية، حيث يحق له الاقتراع، أي في الجنوب. هو لا يبالي لأن صوته، برأيه، لن يغيّر شيئاً.
لا يختلف تفكير محمد عيتاني كثيراً عن قمر. يهتم بدراسته التي بدأها منذ أسابيع في كلية الصيدلة أكثر من أي شيء آخر. ويختلف عن قمر فقط بكونه من منطقة المزرعة. ويقدّم في هذا الإطار شرحاً بسيطاً يشابه شرح حسين، لكنه مختلف في التسميات. «بيت الحريري طالعين طالعين»، يقول مبتسماً، وعندما نسأله لماذا لا يقترع؟ يبتسم مجدداً ويقول «شو جاييني؟». كل ما يهم عيتاني الآن هو متابعة دراسته، واكتشاف ما عليه فعله ليصبح صيدلياً ناجحاً، فهو لا يرغب بالسفر، وفرص العمل تتضاءل.
إلى جانب عدم الاهتمام لدى البعض، يثير الحديث عن الانتخاب في الثامنة عشرة سخرية جزء آخر من الشبان. عباس ماجد أحد هؤلاء. تخطى ماجد الذي ترك الدراسة منذ سنوات الثامنة عشرة، وهو حالياً عاطل عن العمل. يشير بإصبعه إلى أكثر من شاب، نحو الجهة الأخرى من الطريق، شارحاً أن لا أحد منهم يعمل. ويؤكد «على ذمته»، أن لا أحد منهم «إلو خلق ينتخب أو يفكّر بالموضوع». برأي عباس «الأمر سخيف» مقارنةً بمشاكل الشباب الأخرى: «فليجدوا لنا وظائف ولا نريد شيئاً منهم».
السياسة في صلب حياة اللبنانيين، حتى ولو رفضوا ذلك. هذا ما تقوله فاطمة مرتضى، التي «انتظرت طويلاً» اللحظة التي تستطيع فيها أن تقترع. تتحدث عن التظاهرات والحوادث الدموية التي شاركوا فيها والتي «كان دمهم وقوداً أحياناً كثيرة. ولذلك تؤكد فاطمة أنّ الانتخاب حق لهم أيضاً. ماري قزي، تشارك فاطمة رأيها بالتفصيل، ولكن تتفق كلتاهما على التخّلي عن هذا الحق، إن كانت الأولوية الحالية تقضي بإصلاح النظام اللبناني وإيجاد فرص عمل للشباب. وتستند ماري في قبولها بالتخلي عن حق التصويت، رغم رغبتها بذلك، إلى الإحصاءات الرسمية، فحتى عند «الكبار» نسبة المقترعين لا تتجاوز النصف.
الحديث عن السماح لمن هو في الثامنة عشرة بالاقتراع والإصرار عليه، أشبه بممارسة الكذب لقول الحقيقة. الحقيقة التي لا مفر منها، أن الشبّاب يحق لهم أن يقترعوا، لكن ليس في الطرق والتظاهرات المليونية. أما الكذب، فهو عند الذين لا بديل لهم، أي الذين سيقترع لهم هؤلاء إذا تسنى لهم ذلك، أما الجزء الأكبر الذي لن يقترع فهو منشغل بالبحث عن وظيفة، وعن مستقبلٍ أفضل.