حلّ يوم الغذاء العالمي هذا العام في ظروف استثنائية، ففيما يواجه 920 مليون فقير حول العالم الجوع، يواجه الأغنياء أسوأ أزمة مالية منذ 1929. في لبنان، لم تحتفِ الجهات المعنية بهذا اليوم بل استغلت المناسبة لدقّ نواقيس الخطر
رنا حايك
يحتفي العالم في 16 من تشرين الأول من كل عام بيوم الغذاء العالمي. تفاوتت العناوين التي احتفل فيها العالم من عام إلى آخر بهذا اليوم: نساء يطعمن العالم، المياه مصدراً للأمن الغذائي، مواجهة الجوع لتقليص الفقر... إلى عام 2006 حين تمحور عنوان الاحتفاء بشأن قضية «الاستثمار في الزراعة لتعزيز الأمن الغذائي»، تبعته قضية «الحق في الغذاء» عام 2007. إلا أن هذين العنوانين لم يكفيا لاحتواء إحدى أسوأ الأزمات الغذائية التي حلّت على الكوكب خلال هذين العامين.
فقد ارتفع خلالهما ثمن الغذاء بشكل دراماتيكي: قفز سعر الأرزّ بنسبة 217%، والقمح بنسبة 136% لأسباب متعددة لا تزال موضوع نقاش حتى الآن: الجفاف، ارتفاع أسعار الوقود والمخصّبات الزراعية، وارتفاع استخدام الوقود الحيوي في الدول المتقدمة، إضافةً إلى أسباب أخرى.
انطلاقاً من هذا الواقع، قرّرت المنظمة التركيز خلال العام الحالي على قضية التغيّر المناخي والطاقة الحيوية وارتباطهما بأزمة الغذاء.
فالسياسات التي سوّقتها المؤسسات العالمية، المفجوعة اليوم بانهيار أسواق المال، والتي كثيراً ما كانت مدفوعة بهاجس «تصنيع الزراعة» لتحقيق المزيد من الأرباح حتى لو كلّف ذلك تجويع المزيد من البشر، قد أدّت إلى تدهور المنظومات الغذائية في العالم، وخصوصاً، في البلدان الفقيرة.
وبينما تجتمع لجنة الأمن الغذائي العالمي في المنظمة مع ممثّلي 100 دولة ومع مجموعة من منظّمات المجتمع المدني في روما بين 14 و17 من تشرين الأول، لتقويم اتجاهات الأمن الغذائي العالمي، تقام نشاطات موازية في مختلف البلدان لتعزيز الوعي بالقضية ونشره بين جميع الشرائح الاجتماعية.
ففي لبنان، أقيم نشاطان متوازيان، أحدهما رسمي والآخر مدني: فقد نظمت وزارة الزراعة بالاشتراك مع الممثلية العامة لمنظمة الغذاء العالمي، الفاو، ندوة في نقابة الصحافة حضرها وزير الزراعة ومدير الممثلية ولفيف من الرسميين نواباً وسفراء، بينما جمعت أوكسفام وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية ممثلي المجتمع المدني، وباحثين تناولوا قضية أزمة الغذاء.
وفيما طغى على كلمات الرسميين في الفعالية الأولى أسلوب سردي في عرض قضية أزمة الغذاء، ومضمون تناول العموميات، تناول اللقاء الموازي لممثلي الجمعيات الأهلية الموضوع من ناحية اجتماعية مطلبية.
فقد عرض في نقابة الصحافة وثائقي تناول تغيّر المناخ وارتباط أزمة الغذاء بإنتاج الوقود الحيوي، تلته كلمات لوزير الزراعة الياس سكاف ولممثل مكتب الفاو في لبنان علي مومن، ومداخلة لعميدة كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت، نهلة حولاّ. شدّدت جميع الكلمات على ضرورة مواجهة الجوع والفقر وتأمين الأمن الغذائي العالمي من خلال تعزيز السلام وخلق نظام تجاري عادل وتعزيز القدرة الإنتاجية الزراعية المستدامة، بينما أعلن المحتفون بدء العمل في لبنان على تأسيس التحالف الوطني ضد الجوع بالتعاون مع الوزارات المختصة والجهات اللبنانية الناشطة في هذا المجال.
أما في اللقاء الذي نظّمته أوكسفام وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، فقد جرت مناقشة تقرير أوكسفام السنوي وعنوانه «أسعار ذات حدّين» الذي عبّرت من خلاله المنظمة عن قلقها من «الاعتماد المفرط على المساعدات الغذائية العينية التي تقدمها البلدان الغنية للدول الفقيرة»، وشددت فيه على ضرورة «أن تتخذ الحكومات والجهات المانحة العبرة من أزمة الغذاء. فهي أكبر دليل على أهمية الاستثمار في الزراعة وصوغ سياسات تجارية تضمن الأمن الغذائي وتصميم نظم حماية اجتماعية تحمي السكان الأفقر». كما أكدت شبكة المنظمات العربية أن لأزمة الغذاء «مفاعيلها المباشرة على البلدان العربية، حيث تصعب مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء، ولا سيما في البلدان التي تفتقر إلى الثروات النفطية والموارد الطبيعية».
تركزت الأسئلة التي وجّهت للمتحدثين، لينا بو حبيب عن مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي، ورامي زريق من كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت، وماجدة السانوسي، ممثلة أوكسفام الإقليمية
على الواقع المحلي. جرت مناقشة وضع المزارعين اللبنانيين على مستوى تصريف منتجاتهم وعدم تلقيهم الدعم الحكومي والقطاع الزراعي اللبناني في ظل الأزمة، ليخلص زريق إلى ضرورة الاعتراف بالدور الكبير للمجتمع المدني في هذا الصدد، مع ضرورة التنبّه إلى أن دوره يقتصر على «إكمال» مجهود الدولة الرسمي في هذا المجال لا الحلول محلّها.