محمد محسنأما لمن يجهلون معنى تعابير مثل «طويل وقصير الأمد»، فربما كان الشرح مفيداً: فعندما يوقف الشخص سيارته لوقت يتجاوز ثلاث ساعات، يعتبر وقوفه طويل الأمد. أما حين يوقفها لمدة تقل عن ذلك، فهذا يعني أن توقفه قصير الأمد.
والمشروع الذي يموّله البنك الدولي يهدف إلى تحسين شبكة السير الموجودة أصلاً في بيروت الكبرى، لا إلى استبدالها بشبكةٍ أخرى. ويخجل المرء من طرح أية أسئلة عن أهميّة المشروع، وخصوصاً بعدما وصلت المشاكل المرورية إلى حدٍّ لا يطاق. فأيّ مشروع أو مبادرة لحل أزمة السير والتوقف في بيروت مشكورة، وخصوصاً عندما تقول الإحصاءات التي قدّمها حلو، إن ثمانية آلاف وثمانمئة سيارة تعبر مستديرة الحايك في ساعة الذروة يومياً، مع تأخيرٍ يضرب مواعيد سائقيها بمعدّل أربع عشرة دقيقة لكل سيارة.
ولكن أين أهل الأشرفية من كل هذا الحديث؟ حضر المدعوون مراعاة منهم لأزمة السير بالمنطقة، قبل الموعد بقليل. جلسوا في صالة صغيرة، ولم يتحلّقوا، كما يظن المرء حول طاولة مستديرة تسهل الحوار. بل جلسوا كجمهور أمام منبر اعتلاه المنظّمون. بدأ زياد عبس بالكلام، فرحّب بـ«أهالي المنطقة وممثّل العماد عون ووزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون وأصحاب المؤسسات التجارية والمصرفية الكبيرة الذين تجاوبوا مع هذه البادرة الأولى من نوعها». ثم قدم رئيس جمعية «يازا»، زياد عقل، الذي قال كلمة مقتضبة تناول فيها حجم المخاطر المرورية التي أدّت إلى تأثّر «ألف ومئتي عائلة بإصابة أو وفاة أحد أفرادها»، كما أعلن عن حملة توعية ستباشرها الـ«يازا» عبر الإعلان على أربعمئة لوحة إعلانية طرقية في المناطق اللبنانية كلها. وهي حملة سوف تركز على احترام إشارات السير، وقد اتخذت لنفسها شعار «امشي عالنظام»، ليسلّم الكلمة من بعده إلى إيلي حلو. وقد استرسل هذا الأخير في شرح مشروع «تطوير النقل الحضري ضمن بيروت الكبرى»، متحدّثاً عن «تخفيف الاحتقان المروري» الذي تسبّبه أكثر من مليون و200 ألف سيارة في لبنان، تقوم بأكثر من مليوني رحلة يومياً. ويغطي المشروع اثنتا عشرة بلدية في لبنان، ويتضمّن إنشاء مبنى لهيئة إدارة السير بتجهيزاتٍ متطورة، ووضع 220 إشارة ضوئية على المحاور الرئيسة، ودهن الطرق، متوقعاً إنهاء كل هذه الأعمال في أيار 2009.
أنهى حلو شرح المشروع، فصعد وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون ليتحدّث عن ضرورة تشديد القيود على إعطاء رخص السوق. لكن فاته، في اختصاصه كوزير للشؤون الاجتماعية، الحديث عن إجراءاتٍ هندسية تلائم ذوي الاحتياجات الخاصة، يفترض أن يأخذها المشروع بعين الاعتبار. غابت الأشرفية حتى هذه اللحظة، التي حان فيها موعد تساؤلات أهاليها.
بدأت أسئلة الأهالي. عبّروا عن غبنٍ قديم لا يصدّقون أنه سيتغير. «عالوعد يا كمّون» تكرّرت، لتغيّر صورة نمطية عن «الأشرفية» التي «يظن الكثيرون أنّها تعيش بلا مشاكل». تحدّث الأب ديمتري خوري عن «عدم اهتمام بلدية بيروت بالأشرفية»، وعن «مشاريع لمناطق أخرى تنتهي في أسبوع فقط». انبرى البعض لمهاجمة بلديّةٍ واحدة «تستبّد» ببيروت. لم يكد حلو ينهي إجابته عن سؤال، حتى يخرج سؤال آخر عن مشروع التباريس، أو جادة فؤاد بطرس، ومستديرة الصالومي. كانت إجابات حلو واضحة، لكنّها لم تشف غليل الأهالي، ربما بسبب وعود سابقة من هيئاتٍ مماثلة، بقيت حبراً على ورق. ينتظر المشروع في الأشرفية تحديداً مدّة زمنية حتى ينتهي، بسبب حل مشكلة دفع بدل الاستملاكات في شوارع معيّنة، بعدما حلّت مشكلة الطرقات التي تمرّ في أملاك الأوقاف.
أما حضور رئيس مفرزة سير بيروت، المقدّم محمد الأيوبي، فقد بدا أنه للاستماع، وخصوصاً أنّه لم يرد على الانتقادات التي أطلقها الأهالي وطالت سلوك عناصر قوى الأمن، مطالبين بأن «لا يتحوّل عنصر قوى الأمن إلى عنصر مافيا». انتهت الورشة على أمل متابعة موضوعها بتوصياتٍ عملية، ينتظر أهالي المنطقة أن تطبّق سريعاً.