راجانا حمية«يا أبو علي، شو، وين الصفّة اليوم؟». يسأل صاحب إحدى السيّارات «أبو علي» أنيس القمند، «صفيف» موقف رصيف الكونكورد في فردان. وأبو علي ليس صفيفاً إلا بقدر ما هو رصيف الكونكورد مرأب خاص! إلّا أن الرجل وضع يده على الرصيف منذ زمن الحرب الأهلية. هكذا تراه، حالما تلتقط عينه سيارة «حائرة» حتى يشير إليها أن تأتي نحوه. كان يمكن أصحاب السيارات، أن يركنوا سيّاراتهم ببساطة، من دون مساعدة من أبو علي. إذ يكفي وضع «كام خمسميّة» في العدّاد الذي وضعته بلديّة بيروت على جانب الرصيف، ما يسمح لهم بركن سيّاراتهم، ولكنّ الجميع اعتاد أن يترك لأبو علي الخيار بانتقاء المكان المناسب، كـ«ذريعة لجبر خاطري بألف». لكن، الأمور، لا تقف عند «جبر الخاطر»، فأبو علي في غالبيّة الأحيان، يدفع «الخمسميّات» من جيبه الخاص لبعض الزبائن، إذا تأخّروا عن «تلقيم» عدّاد الباركمتر. وعندما يعودون «يدفعون لي ما وضعته في العدّاد، وأجرة مراقبة السيّارة». يتكلّم الرجل، فيما نظراته تائهة، تُلاحق زبائن مفترضين، قد يضيق بهم المرأب الذي يقف أبو علي «ملقّطاً» رزقه على.. بابه، فيستنجدون بخدماته. أو ينتظر زبائنه المياومين الذين اعتادهم، «وهم كثيرون»، كما يشير الرجل.
يصمت. ثم يعود إلى حديثه، عن «أيّام العز»، التي عاش فيها مسؤولاً مباشراً عن زبائن الرصيف، قبل أن يُشاركه «العدّاد» لقمة عيشه منذ بضعة أشهر. في تلك الأيّام، كان يجني ما يقارب «25 ألف صافي في اليوم»، يُضاف إليها «25 ألفاً في الشهر، أجرة تنظيف الموقف المجاور، يعطيني إيّاها أبو نزار، مسؤول الموقف». لكن، أيّام العز صارت محصورة بنهاية الأسبوع. ففي العطلة، تتوقّف العدّادات عن العمل لكون الركن مجانياً فيها، فيعود عندها أبو علي «ريّساً» من جديد، كما يصفه أصحاب السيّارات العموميّة الذين يقضون ساعات النهار بصحبته، ويدفعون له «الخمسميّات» على الرغم من العطلة.
ويشرح أبو علي بحنين كيف أنّه «خلال الأحداث، كنت أهتمّ بالموقف منذ أن كان بوراً، ولكن عندما اشترته إحدى الجهات النافذة، طردتني منه، ومذاك أعمل هنا». تعرّض أبو علي للكثير من تلك المواقف، طُرد مرّاتٍ عدّة من مكانه على الرصيف، ولكنّه لم يتركه يوماً، لأنّه اعتاد العيش والتعيّش من رصيف الرزق هذا. تراه هناك، في المنطقة التي يمضي فيها أكثر ساعات يومه في صولات وجولات محمومة. وهي حركة قد يظنه البعض بسببها «بسيطاً»، لكنها بكل بساطة حركة من يرى في أصحاب السيارات «خمسميات» يجب أن يلتقط منها أكثر ما يستطيع. «واكرجي يا ارباع اكرجي يا نصاص».