عمر نشّابة«مينك إنت؟ بمين اتصلت حتى تدخّل المدير والوزير والرئيس لإخلاء سبيلك؟». باستغراب سأل الضابط العامل السوري السجين منذ 4 أيام في نظارة المركز الأمني الذي لا يفصل بينه وبين قصر العدل سوى شارع. فكّر ضابط التحقيق ملياً. «مين هو هيدا؟» همس لزميله بعد تلقّيه الاتصال العاشر من مسؤول حكومي كان قد سبقته اتصالات من ضباط آخرين استفسروا عن الشاب الذي يرتجف في النظارة. «قولك بيقرب شي ضابط مخابرات سوري؟» ...إنّه يحلم بالماء والصابون بعد قضائه 4 أيام دون أن يسمح له بأن يغسل وجهه. يغمض عينيه ويرى لقطات من إعلانات تلفزيونية. أطلّ وجهه من نافذة الحافلة التي كانت تنقله من حلب والهواء يلفح وجهه وهو يبتسم. وما إن وصل إلى الحدود حتى انقلبت الأمور. «إنت مطلوب للأنتربول في جريمة قمت بها في الكويت». «الكويت؟ والله يا ريت! أنا عامل باطون في ورشة عمار للأستاذ طوني. لا بعرف الكويت ولا بحياتي زرت بلد غير لبنان»...
ـــــ «اسمك وارد بالبلاغ يا حبيبي... يلّا خذوه إلى النظارة!»
ساعات في النظارة الحدودية تبعتها ساعات في الآلية العسكرية ثم نظارة العاصمة أو عاصمة النظارات. «لا يمكن إخلاء سبيلك إلا بعد أن يقولوا لنا إنّك لست نفس الشخص المطلوب». فلننتظر. أربعة أيّام هي المدة التي يستغرقها النظام اللبناني الملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لتثبيت براءة البريء.
كم يُستسهل حجز حريات الناس بغير حق، وكم يُستسهل في المقابل إفلات البعض من المحاكمة والمساءلة والمحاسبة.
نسوا أو تناسوا أن الإنسان يتمتع بحقوق لأنه إنسان لا لأنه بريء أو لأنه نافذ أو ثري أو مدعوم، حتى لو قرّر التنازل عن حقوقه. ولا يجوز للضابط أو القاضي أو المدير أو الوزير أو الرئيس أن يحرمه حقوقه. ولا دولة حق ولا إصلاح في المؤسسات قبل أن يترسخ ذلك في أذهان المسؤولين.
وإذا عجزت المؤسسات عن الالتزام بتعهداتها القانونية الدولية، فليطرح في المجلس التشريعي انسحاب لبنان من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان كي نحافظ على شرف الجمهورية اللبنانية لجهة صدقية ما يصدر عنها، وليرتاح الضبّاط من إزعاج الصحافة...