إيلي شلهوبيجول جورج بوش في أروقة البيت الأبيض، يرقب الجدران ويحدّق في الزوايا. تنتابه مشاعر غريبة لم يعهدها من قبل. إنها ألفة المكان الذي كان أشبه بمنزل العائلة لنحو 12 عاماًً. يفكر في البدء بحزم الحقائب. يحبس دمعة كانت ستتسلل إلى وجنتيه. أسابيع قليلة تفصله عن موعد الرحيل... بلا رجعة هذه المرة. يلمح زوجته لورا بين الفينة والأخرى. تشده نظراتها. عينان تعبقان بالحزن والعتب اللذين يعقدان لسانه. يتبادل وإياها بضع كلمات ويمضي. لكنه يعلم في قرارة نفسه أن لديه الكثير ليقوله لها. ذات يوم، وفي لحظة صدق مع نفسه، يقرر أن يكتب لها رسالة يضعها تحت وسادتها في ليلة مقمرة. في ما يلي نصها الافتراضي:
«حبيبتي لورا، آسف للمصاعب التي جعلتك تمرين بها. أعلم أني خذلتك وعرّضتك للكثير من المهانة. أتخيل ردات فعلك عندما تطالعين الصحف وتستمعين إلى نشرات الأخبار. أحاول تلمّس مشاعر امرأة يُجمع العالم على أن زوجها أغبى رجل على وجه البسيطة. لم تكن هذه أحلامك عندما خضنا المعركة الانتخابية معاً، وهي بالتأكيد لم تكن آمالك عندما دخلنا البيت الأبيض معاً.
لا أعلم ماذا أقول لك. لا أملك الجرأة. كيف سأصارحك بأني كنت ألعوبة في أيدي من وثقت بهم. العم تشيني ورّطني، ورامسفيلد خدعني. وولفويتز وبيرل عبثا بعقلي، وغيرهما كثر، فكان ما كان.
أرجو أن تصدقي أني كنت صدوقاً في كل ما فعلت: أردت إعادة الاعتبار لأميركا، والتخلص ممن يمثّلون عائقاً أمام مصالحها. أقنعوني، وبينهم صديقي بندر، بأن إزالة صدام ستكون مهمة سهلة للغاية. تعلمين أنه دكتاتور يهدد حلفاءنا في الخليج. قالوا لي إننا سنستبدله بنظام موالٍ ونستفيد من خيرات بلاده ونسجل نقاطاً على هؤلاء الأوروبيين المتعجرفين والصينيين الذين يتحكمون باقتصادنا. أوهموني بأنه، بمجرد احتلال بغداد، سيتهاوى نظام الأسد ومعه ملالي إيران بعد أن نحاصرها في أفغانستان والعراق. عقدتي حيال أبي، وعطفي على شركات النفط والسلاح، سهّلا مهمتهم.
لم أكن لأتوقع ما جرى. حتى الإسرائيليون الذين أمضيت معظم وقتي في تلبية مطالبهم، خذلوني في حرب لبنان. كيف يمكن بضع مئات من المخربين أن يهزموا هذا الجيش العظيم؟ صُدمت لما حدث. لكن ما باليد حيلة. ما جرى معهم يجعلني أغفر لـ 14 آذار ضعفهم ووهنهم. راهنت كثيراً على ثورة الأرز، والثورات الملوّنة، لكن بلا جدوى.
كذلك الأمر بالنسبة إلى أبو مازن، هذا الرجل الطيب الذي نذر نفسه للسلام، هوى في لحظة. مجموعة من الإسلاميين المتعصبين القادمين من خارج التاريخ احتلوا غزة في ليلة وضحاها. كان عباس يقول لي دائماً إنه يثق بمحمد دحلان وبقدرته على القضاء عليهم. لا ألومه. أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية كانت تقول لي الشيء نفسه. كانوا يصفونه لي بأنه خادم مطيع. لكن أين كان دحلان عند الحاجة إليه؛ في لندن. يقول إنه كان يخضع لعلاج من ألم ألمّ به في ظهره. سامحه الله.
أما الحكاية مع ديكتاتور كوريا الشمالية، فهذه قصة أخرى. لم تتوقعي مني طبعاً أن أقسو عليه. تعلمين أنه مجنون. بل أكثر جنوناً مني. والأنكى من ذلك أنّه يملك صواريخ عابرة للقارات. تفهمين أني كنت مضطراً إلى مهادنته. وانظري، لقد نجح الأمر. لا تقولي إني كنت فاشلاً في كل شيء. معك حق. حتى أغبى الأغبياء كان عليه أن يتجنب التحرش بالدب الروسي. أين؟ في عقر داره. ومتى؟ بعدما استكمل رجل الـ«كي جي بي»، هذا الشيوعي الذكوري، البناء الداخلي. لكن صدقيني، لا علاقة لي بما جرى. إنه ساكاشفيلي، هذا المتهور الأحمق. لا أدري من أعطاه الضوء الأخضر من داخل الإدارة. ولا أذكر ما إذا كنت أنا. لكنك ترين الجهود التي أبذلها لتجنب حرب باردة جديدة يتهمونني بأني أعدت إحياءها. ولا تعتقدي أني أقدم تنازلات، بل أسعى لتجنيب العالم المزيد من المصائب.
المأساة الكبرى هي أني سأغادر بصفتي الرئيس الذي دفع بلاده والعالم إلى الانهيار المالي. ما ذنبي؟ كل ما فعلته أني ابتكرت نظرية جديدة ثبت أنها خاطئة. قالوا لي إن أي دولة في حالة حرب يجب أن تزيد الضرائب لتمويلها، فقلت لهم لنجرب العكس. بدأ الاقتصاد يتراجع والعملة تنخفض. وما شأني أصلاً بهذا الملف. حتى بولسون وبرننكي لا يفقهان شيئاً فيه.
مهما تكن الحال. أنا بحاجة إلى دعمك. أرجو ألا تكوني مستاءة من كوندي. لقد كانت خير معين، رغم الشائعات عن علاقتي بها».