عظام لرجلين وامرأتين وطفلة في مغارة. يعتقد الطبيب الشرعي أن تاريخ وفاتهم يعود إلى زمن الحرب الأهلية. بالقرب منهم حبال يعتقد أنهم رُبطوا بها قبل تصفيتهم، فجمجمة أحدهم فيها ثقب صغير
جزين ــ كامل جابر
عثر مزارع من آل كيوان يوم السبت الفائت على هياكل عظمية تعود لرجلين وسيدتين وطفل في مغارة في الحي الفوقاني لبلدة القطراني (قضاء جزين) لدى مروره بجراره الزراعي في أحد الحقول.
وبعد إبلاغه القوى الأمنية حضرت دورية من فصيلة درك جزين بإمرة النقيب جوزف عيد وضربت طوقاً أمنياً حول المكان، وبناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب، حضر الطبيب الشرعي عفيف خفاجة الذي كشف على الرفات والجماجم ووضع تقريره. ونُقلت الرفات إلى مخفر فصيلة درك جزين ليل السبت ـــــ الأحد. ذكر الطبيب خفاجة في تقريره الأولي أن الرفات «قديمة العهد وأن الوفاة تعود إلى أكثر من عشرين سنة. ولوحظ إلى جانب الرفات والجماجم وجود حبال يعتقد أن أصحابها كانوا مقيدين بها، فيما لم تعرف بعد طبيعة مقتل أصحابها وظروفه». وطلب النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي عوني رمضان عرض عينات من الرفات المكتشفة على خبراء جنائيين، وإجراء الفحوص اللازمة لمعرفة المزيد عن أصحابها وظروف وفاتهم. وقال مسؤول أمني لـ«الأخبار» إن جمجمة أحد الرجلين «ظهر فيها ثقب، يعتقد أنه ناجم عن إصابتها بطلق ناري».
أهالي بلدة كفرحونة يعتقدون أنهم يعرفون الضحايا. استرجعوا ذكريات أليمة قد تساعد على كشف حقيقة ما حصل.

ذاكرة كفرحونة

كانت الساعة الحادية عشرة ليل الرابع من آذار سنة 1984 حين أطلق أبناء الحي الغربي المسكون من شيعة كفرحونة، الصرخة عن حريقين يلتهمان منزل حرب حرب، في وسط الحي، ومنزل محمد علي نصّار عند مدخله الشمالي الشرقي. تدافع الأهالي من أكثر من جهة، وزاروب، متوسلين الحيلة لدخول البيتين المشتعلين، لكنهم لم يعثروا على أي من ساكنيهما.
«لم يكن في بيت حرب حرب قبل الحريق غير جميلة ناصر زوجة المرحوم حرب التي لم تكن قد تجاوزت السبعين في حينه، وولدها الأصغر أحمد البالغ نحو 22 سنة، وكان يعمل في محل لبيع الحلويات في جزين. اختفى الاثنان من البيت وانقطعت أخبارهما» قال حفيظ حبحاب (72 عاماً) لـ«الأخبار». كذلك روى محمود نعمة (74 عاماً) الآتي: «ركضت ليلتها، بعد حريق بيت حرب حرب بسرعة نحو منزل محمد علي نصّار (حمّادي)، مسافة مئتي متر، فوجدت أولاد شقيقه عند مدخل البيت، لكنهم لم يتمكنوا من فتح بابه بسبب ألسنة النار. كسرت زجاج البيت، ودخلت بصعوبة، غير أنني لم أعثر على أحد فيه، وجدت خبزاً مرقوقاً متناثراً، وشعراً متناثراً يعود لبناته الأربع (فاطمة ـــ 14 سنة، وتركية ـــ 12 سنة، وعلا ـــ 10 سنين، وعروبة ـــ 7سنوات) اللواتي اختفين مع والديهم». ويضيف نعمة: «حادثة خطف العائلتين وحرق منزليهما، كانت الشرارة الأولى لتهجير الحي الشيعي في كفرحونة» ثم يدخل في صمت طويل.
وعن هوية الخاطفين، يقول نعمة: «وقتها، راجعنا الراحلين جان عزيز وفريد سرحال في جزين، إذ إن كل الدلائل كانت تشير إلى تورط «القوات اللبنانية» بالموضوع، ولم يتمكنا من فعل شيء. في اليوم التالي حضرت ناقلة جند إسرائيلية، ونزل منها الضابط المسؤول، وسأل: من تتهمون بخطفهم؟ قلنا: أنتم و«القوات اللبنانية»، قال: لا علاقة لنا بالأمر، ورحل. بعدها عزمنا على الرحيل، فالرسالة قد وصلت. حضر وفد من إخوتنا المسيحيين في البلدة، إلى النادي الحسيني، وطلبوا إلينا عدم مغادرتها، والبقاء في منازلنا، وسألناهم: هل يمكنكم حمايتنا، أو حماية أنفسكم؟».
عضو المجلس البلدي حسام كريّم قال: «بعد تهجيرنا بشهرين، نُقل عدد كبير من مهجري شرق صيدا، إلى بيوت الحي الغربي في كفرحونة. كانت عملية إحراق المنزلين وخطف سكانهما، شرارة التهجير، ولم نعد من وقتها إلا بعد التحرير في أيار 2000. واللافت أن العملية استهدفت أبرياء وأطفالاً في الحي الشيعي، من مدخله ووسطه، والفاعلون بالتأكيد هم من عملاء إسرائيل، كانوا مكلفين تنفيذ مشروع كبير، في بلدة تميزت بتعايش سكانها وأبنائها».
لم يسلم من عائلة محمد نصّار غير ثلاثة من أبنائه: علي (44 سنة) الذي كان مقيماً في أميركا (عاد أخيراً إلى بلدته)، وشقيقاه حسن (42 سنة) الذي يعمل على سيارة أجرة في مدينة صيدا، وحسين (30 سنة ـــــ مقيم في أميركا). ومن عائلة حرب حرب، سلم الشابان عدنان ويحيى وشقيقتهما فريزة.


قلق من إخفاء الحقيقة

أهالي كفرحونة قلقون من أن يذهب هذا الملفّ طيّ الكتمان، مثلما جرى لملفّ العثور على رفات مقبرة جماعية من ثمانية هياكل عظمية قرب مراح الحباس في 23 شباط 2004، وكان عديدها هو الأقرب إلى المفقودين من البلدة على أيدي ميليشيا «القوات اللبنانية» قبل 24 عاماً ونيف.
عضو مجلس البلدية حسام كريّم استنكر «التعتيم على هذا الملفّ»، وقال «هناك شعور في أوساط أهالي البلدة بأن هناك من لا يريد للملفّ أن يفتح؛ نتمنى متابعته حتى يرتاح أهل المفقودين، مهما كانت النتيجة قاسية ومرّة، ونحن بدورنا لن نترك الفاعل من دون عقاب».