خالد صاغيةتحوّل حقّ العودة على يد السياسة الرسميّة الفلسطينيّة إلى موضوع مثير للإحراج. فقط لو يتمكّن المفاوض الفلسطيني من شطب هذا البند المزعج! وتحوّل حق العودة على يد «الليبراليّين الجُدد» إلى مادّة للمقايضة بحفنة من التعويضات. وتحوّل حقّ العودة على يد «الوطنجيّين» إلى شعار لتحويل الشعب الفلسطينيّ إلى مطيّة تنفَّذ باسمه وعلى حسابه مشاريع خاصّة. وتحوّل حقّ العودة على يد اللبنانيّين إلى مرادف لرفض التوطين، وللإمعان في حرمان اللاجئين الفلسطينيّين من حقوقهم المدنيّة. كان لا بدّ من انتظار فيلم سينمائي كي يستعيد حق العودة معناه. «ملح هذا البحر»، للمُخرجة الفلسطينيّة آن ماري جاسر، هو صرخة حق العودة إلى «حق العودة». لكنّها صرخة حبّ وألم لا علاقة لها بمزايدات المنابر ولا بطاولات المفاوضات. ثريّا، الفتاة الفلسطينيّة التي نُفي جدّها من يافا إلى لبنان، وغادر والدها لبنان إلى بروكلين، تصرّ على العودة إلى رام الله، ومن رام الله تتحدّى الحواجز والقوانين لتصل إلى يافا، لينتهي بها المطاف مُبعَدةً إلى بروكلين من جديد.
أرادت ثريّا، ببساطة، أن تعود إلى فلسطين، وأن تعيش في فلسطين. أن تستردّ الجنيهات القليلة التي تركها جدّها في أحد بنوك يافا. أن تزور بيت العائلة. أن تحاول إقناع الفتاة التي تسكنه بأنّ هذا المنزل ليس منزلها، أن تجعلها تعترف بذلك وحسب. «أنا من هنا»، تردّد ثريّا طيلة الفيلم. جملة عادية تحوّل رحلة العودة إلى فعل مستحيل. «لقد أعطيتم الحق للإسرائيليين كي يقرّروا ما إن كنت فلسطينية أم لا؟»، تقول ثريّا للمسؤول الفلسطيني الذي يرفض إعطاءها جنسية فلسطينية أو حتى ورقة إقامة.
صرخة التحدّي هذه تتكرّر في وجه الشرطي الإسرائيلي الذي تسأله «أنت، من أين أنت؟»، وفي وجه المقيمة في بيت جدّها التي ترفض أن تعتذر، وفي وجه مدير البنك الذي يرفض أن يعيد لها أموالها، وفي وجه الحواجز الحديدية... شيء ما في الفيلم يجعل هذه الصرخة مختلفة. لسنا هنا أمام موقف وطني ضدّ الاحتلال، بل أمام استحالة أن نكون نحن، أن نكون أنفسنا، في ظلّ الاحتلال.