مارسي نيومان *في ظلّ تركيز الأنظار على مرشحين رئاسيين أميركيين اثنين، باراك أوباما وجون ماكاين، لا بدّ من التذكير بأنه بالنسبة للمهتمين منا بالسياسة الخارجية، وخصوصاً تلك التي تؤثر على الشرق الأوسط، فإن الخيارات أبعد من «أهون الشرين». ففي خضم أزمة مالية كارثية وخطة إنقاذ حكومية بـ700 مليار دولار، لم يعِد أوباما بعدم قطع المساعدة العسكرية الأميركية للدولة الصهيونية فحسب، لكنه سيرفعها إلى 30 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة. ورد هذا الخبر في اليوم نفسه الذي أعلن فيه الجنرال الإسرائيلي غادي ايزنكوت ما أسماه «نموذج الضاحية». وهو يشرح سياسة الإبادة الجماعية التي يأمل النظام الصهيوني تطبيقها خلال غزوه المقبل للبنان: «سوف نمارس قوة غير متكافئة ضد كل قرية تنطلق منها الصواريخ على إسرائيل، وسنحدث ضرراً وتدميراً هائلين. هذه قواعد عسكرية من وجهة نظرنا... هذا ليس اقتراحاً. إنه خطة صودق عليها فعلاً».
معظم الأميركيين يدركون الثمن المالي للحرب على العراق وأفغانستان. لكنهم للأسف لا يدركون الثمن الإنساني. إضافة إلى ذلك، عدد قليل منهم مدرك للقوة العسكرية الأميركية التي تموّل الموت والدمار في فلسطين ولبنان كنتيجة مباشرة للدعم المالي والسياسي والعسكري.
ولوقت طويل، ترسّخت بديهية مفادها أن إسرائيل هي الولاية الأميركية الواحدة والخمسين بناءً على الخوف لا على المادة. لكنها بدت في الأسابيع القليلة الماضية وكأنها حقيقة. أحد الأمثلة على هذا هو التزويد الأميركي للدولة الصهيونية بنظام رادارات طويلة المدى تخدم كجهاز إنذار مبكر في حال اعتداء إيراني. تزويد الصهاينة بالعتاد العسكري ليس بالجديد، الجديد هو أن 120 مسؤولاً عسكرياً أميركياً موظفون في هذا الموقع في النقب.
وهناك دلائل أخرى على اندماج الدولة الصهيونية والولايات المتحدة. بدأ الأسبوع الماضي في غزة جنود أميركيون بالعمل، بمساعدة مصر، على البحث عن أنفاق قرب حدود رفح. يتنكر هؤلاء الجنود الأميركيون كمقاولين مدنيين. ومثلما تُستورد الاسلحة إلى غزة عبر هذه الأنفاق، كذلك تجعلها الحاجات الأساسية شريان حياة وتخلق فرص العمل. وللأسلحة الضرورة نفسها، إلا أنها لا تستطيع أن توازي الترسانة التي يطلق لها العنان بانتظام على المدنيين في غزة. وفي خضم هذا التواطؤ العسكري، أتلقى يومياً رسائل إلكترونية من أصدقاء فلسطينيين ولبنانيين أميركيين تطلب مني التصويت لمصلحة أوباما. وعندما يعرف الناس في نابلس أنني أميركية يتحمسون جداً لأوباما. يبدو أنهم واقعون تحت التضليل بأنه سيساعد على جعل الدولة الفلسطينية حقيقة.
ممّا لا شك فيه أن المرشحين سيتابعان سياسات أميركا الكارثية والمميتة في المنطقة. وقد تجلى هذا واضحاً في مناظرات منصب نائب الرئيس الأسبوع الماضي عندما تجادل المرشحان الديموقراطي جو بايدن والجمهورية سارة بالين لمعرفة من يحب الدولة الصهيونية أكثر.
وكان هذا واضحاً في الطريقة التي غابت فيها كلمة فلسطين بالكامل. لكن الأكثر إزعاجاً كان الطريقة التي اعترفا فيها بحبهما للدولة الصهيونية، لاغيين الفلسطينيين كشعب بتاريخهم وسياقهم في هذه المسابقة المملة وغير الحساسة. كانت هذه المناظرة بالذات مزعجة، ليس للأسباب التي قد تتوقعونها إذا كنتم تشاهدون مقابلات بالين الغبية. بالأحرى، كان بايدن الذي كشف جهله، وخصوصاً عندما قال: «عندما ركلنا ـــ مع فرنسا ـــ حزب الله خارج لبنان، قلت وقال باراك: أحضروا قوات حلف شمال الأطلسي إلى هناك. املأوا الفراغ لأنكم إذا كنتم لا تعرفون فسيسيطر حزب الله». لحسن الحظ، إنها فقط تظاهرة على حماقة بايدن في ما يتعلق بالمنطقة وليست الحقيقة.
لكن المناظرة والانتخابات نفسها يجب ألا تكونا هكذا. هناك مرشحون آخرون للرئاسة نادراً ما يحظى الأميركيون والناس حول العالم بفرصة للتعرف عليهم. هناك المرشح الليبرالي بوب بار، والمرشح الدستوري تشاك بالدوين ومرشحة حزب الخضر سينئيا ماكيني والمرشح المستقل رالف نادر. لطالما كان نادر وماكيني أصوات مقاومة ناقدة في ما يخص أموراً كالغزو الإسرائيلي للبنان والحقوق الفلسطينية. لقد كانت ماكيني حقاً صوتاً راديكالياً في الكونغرس، لدرجة أنها حين خاضت إعادة الانتخابات في عام 2002، موّلت لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية مرشحاً طردها من المكتب، على الرغم من أنها استعادت مقعدها بعد عامين.
أصوات كهذه يجري إسكاتها في السياسات الأميركية. فيما يسمى بديموقراطية الولايات المتحدة، يعمل الحزبان المسيطران على ضمان خلو المناظرات من المستقلين. لو أشركوا لكنّا شاهدنا خطاباً مختلفاً ينبثق عن الانتخابات. مثال مهم على هذا جاء بعد يوم من مناظرة منصب نائب الرئيس عندما أجرى غونزاليز وكليمينت مناظرتهما الخاصة في برنامج إذاعي مستقل في نيويورك. عندما طلب الرد على انقياد بايدن وبالين للدولة الصهيونية، جاء جواب كليمنت: «تقتل الحكومة الإسرائيلية كل يوم الشعب الفلسطيني في أرضه... وفي الولايات المتحدة، يجب أن نكفّ عن إرسال أي نوع من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل. أعتقد أن ما يحدث وما كان يحدث في فلسطين هو إشارة إلى 40 عاماً من الإرهاب الكامل ضمن مجموعة أخرى من الشعوب، بمساعدة من دولارات الضرائب الأميركية».
ترتكز حملة ماكيني ونادر على منصة من السلام. تطالب ماكيني ليس فقط بوقف فوري للاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، بل أيضاً بإنهاء تمويل كل الحروب عبر دول وكيلة مثل النظام الصهيوني.
لكن مقاربة مواضيع كهذه في العلن يجري إسكاتها دوماً في الولايات المتحدة. عوضاً عن مناقشة حقائق فعلية وجوهرية، تنتشر الأكاذيب والتشويهات. هذا مؤسف ليس فقط للأميركيين بل أيضاً للمناطق التي تتأثّر بسياسات الولايات المتحدة. مع الهجمات اليومية على الفلسطينيين والتهديد بغزو جديد للبنان، سيكون جيداً لو توقفت الولايات المتحدة عن تصدير الديموقراطية والحرية إلى الشرق الأوسط والبدء بتأسيسها في منزلها.
* أستاذة أميركية مشاركة
في جامعة النجاح في نابلس
(ترجمة سلام سباعي)