تبعث كلمة كلية العلوم خوفاً عند الباحثين عن مقعد جامعي. رغم ذلك ترى صفوفاً طويلة من الطلاب ينتظرون دورهم على أبوابها القديمة في الحدث
محمد محسن
لم يحظ أحد من طلاب كليّة العلوم بتشجيع مسبق يتيح له دخولها بمعنويات مرتفعة. لا يعود السبب إلى إنكار مستوى هذه الكليّة، أو حتى قدرات أساتذتها، بل إلى مشاكل عدة تواجه طلابها، ويكمن أغلبها، بعد «ضخامة المناهج»، في محدودية التنظيم وحجم الطلّاب الهائل الذي يقارب سنوياً عتبة السبعة آلاف. وفوق هذا كلّه، يجري حديث عن انحسار الميزانيات، التي «تغدقها» الدولة على منشآتها التربوية. ويعزّز هذه الفكرة حجم ميزانية كلية العلوم الذي لا يكفي لسدّ حاجات فرع الكيمياء وحده.
ربمّا كان يجدر الحديث عن خبر سعيد سيفرح له طلاب كلية العلوم في الفرع الأول، وهو أنّ إحدى الشركات فازت قبل أيام في مناقصة، لصيانة دورية لمنشآت الكلية، إضافة إلى ترميمها. إذاً ستغيب عن طلاب العام الحالي المعاناة التي رافقت زملاءهم السابقين على مستوى التجهيزات، فالإضاءة والتكييف والصوتيات إلى تحسّن قد يرفع الكلية إلى منزلة جاراتها في المجمع ذاته في المجمع الجامعي في الحدث.
رغم ذلك ما زال البعض متشبثاً بفكرته عن «العلوم»، إذ تكثر الأفكار المسبقة عنها، فيتسلّح الطلاب بها في أيام دخولهم الأولى. يدخل الكثيرون، وفي مخيلتهم صورة سوداوية عن عالم آخر، أبرز معالمه «درس تسع ساعات في اليوم»، لكن دون جدوى في النهاية. يعتمدون على من سبقهم إلى هذا الصرح... وخرج منه باكراً، أو على جزء ما زال صامداً هناك، أملاً بـ«شهادة علوم».
الصور النمطية غالباً ما تكون سيئةً، لكنها تعكس الوضع «المزري» بين قاعات الكليّة. في يومهم الأول، زحمة أقدام على بوابات القاعات، والكلّ ينظر إلى رقم مقعده. قرأوا أرقامهم ودخلوا. كان تطبيق النظام «في نيّتهم»، لكنهم توقّعوا أن ينتهي العمل بهذا النظام طواعية، بعد أسبوع من بداية العام الدراسي، أسوة بأي مرفق رسمي.
انتهى العمل بنظام ترقيم المقاعد في كلية العلوم... قبل أن يبدأ. لم يجلس أي طالب في المكان المخصص له، والأمر لم يفاجئ الطلاب الجدد، فالعديد منهم تعلّموا من أسلافهم بعض «تقنيات السيطرة» في قاعات الكلية، وقفزوا من فوق المقاعد ليحجزوا الصف الأوّل. والبعض الآخر اكتفوا بمقعد يشرف على اللوح، ولو عن بعد خمسة عشر متراً. المفاجئ أيضاً، أن المراقبة كانت غائبة، ولم يتأكد أي إداري من سلامة تطبيق النظام.
ثمّة توجه بين طلاب الكليّة، برفض نظام الترقيم، إذ يرونه جائراً، فهو يحرم الكثيرين مقعداً أمامياً، لمصلحة طلاب ليسوا أهلاً له. كذلك يدعو الكثيرون إلى ترك الأمور تسير كما كانت في السابق، و«اللي سبق» باكراً يشمّ حبق المقاعد الأمامية.
وبعيداً عن الصور النمطية، بدا واضحاً أن الكلّية اتكّلت على مبادرات شخصيّة، منذ ثلاثين عاماً عند إنشائها. مبادرات قام بها موظفون حرمتهم الدولة التدريب والرعاية. كذلك فإن مجالس طلاب الفرع التي تعاقبت، قامت بما يجب عليها «وزيادة» بحسب الكثير من خريجي «كلية الهموم» كما يسمونها. فقد عكفت المجالس على توفير المقررات وعدّة المختبر ولوازم الطلّاب، بأسعار الكلفة فقط. حتى الآن ما زال الطلاب يدفعون رسوم المختبر في أقساطهم، من دون أن يتوافر لهم شيء منها، إلا بتبرعات وجهود ذاتية.