في لبنان، يفسد الاختلاف للود قضية. فبينما تتكاثر الجمعيات، وتتشابه مشاريعها، لا يتوصّل القيمون عليها إلى تحقيق التعاون. بالأمس، غابت الجمعيات النسائية عن حضور ندوة تقع في صميم اختصاصاتها، نظّمتها هيومن رايتس ووتش تحت عنوان «عاملات المنازل الأجنبيات وحقوق النساء: معاً لبلوغ قواسم مشتركة»، فيما دبّ الخلاف «بمن حضر» حول مسودة قانون أصبحت بين يدي وزير العمل
رنا حايك
«هل يعقل ألّا تساندنا نقابة المحامين في مطلبنا أن تمنح العاملة الأجنبية قرار اختيار قضائها إجازة الـ 24 ساعة الأسبوعية داخل المنزل الذي تعمل فيه أو خارجه؟»
صاحبة الجملة تينا نقاش، ممثلة اللجنة الرعوية للعمال الأفارقة والآسيويين في لجنة التسيير. واللجنة لمن لا يعلم، شاركت في إعداد مسودّتي قانون حماية العاملات الأجنبيات في المنازل والعقد الموحّد المقترح اتّباعه في تنظيم علاقاتهن بمستقدميهن. عبّرت جملة تينا عن التوتر الشديد السائد بين مختلف الجهات التي شاركت في إعداد المسودّتين. وهي جملة سرعان ما ردّت عليها المحامية إليزابيت سيوفي، بالرفض القاطع: «من غير المسموح به اتهام النقابة التي لولاها لم تصل قضية هؤلاء النساء إلى أروقة القرار الرسمية. ومن ثم، النقابة ليست المسؤولة عن القرار، فهو في النهاية بيد وزارة العمل».
لكن الفتيل الذي أُشعل لم يكن من السهل إطفاؤه بسرعة. إذ سرعان ما علا صراخ من الواضح أنه نتاج تراكمات طويلة، هدّدت على أثره ممثلة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين، سيوفي، بالانسحاب من الجلسة، والتحقت بها فوراً ممثلتا وزارة الشؤون الاجتماعية.
جوّ من التوتر الشديد يحكم علاقات هيئات المجتمع المدني في لبنان. توتّر سرعان ما يطفو على السطح عند أية محاولة تشبه تلك التي قامت بها منظمة هيومن رايتس ووتش بالأمس. فقد حاولت المنظمة، في إطار حملتها للدفاع عن حقوق العمال المهاجرين بالاشتراك مع مجموعة الأبحاث للتدريب والعمل التنموي، أن تجمع ممثلي الهيئات الأهلية والنسائية وتخلق لهم مساحة لتوحيد جهودهم المطلبية المتعلقة بقضية واحدة. وإمعاناً في الإغراء المتمثّل في وحدة القضية، قامت المنظمة، وهو أمر يحدث للمرة الأولى في لبنان، بربط قضيتي حقوق العاملات الأجنبيات في المنازل اللبنانية وحقوق النساء اللبنانيات خلال ندوة أمس.
يثير جو المشادات التي يتواجه خلالها الأطراف حول الطاولات المستديرة تساؤلات جوهرية أهمها: إذا كانت النخب عاجزة عن إيجاد قواسم مشتركة، فكيف يتحقق ذلك لدى القاعدة الشعبية؟
وكيف ستتوصّل هذه الهيئات المدنية إلى الضغط على الجهات الرسمية وهي تفتقر إلى الموقف الموحد؟ أما القضية الأهم، فقد كانت الغياب الملحوظ للجمعيات النسائية. «وجّهنا الدعوات إليها جميعاً، لكن جمعية كفى هي الوحيدة تقريباً الممثلة اليوم. من المستغرب جداً غياب هذه الجمعيات عن قضية هي في صميم نطاق نشاطها. حضورها كان سيعبّر عن مدى التزامها بالقضايا التي تدافع عنها» كما تؤكد رولا المصري، من مجموعة الأبحاث والتدريب.
تعزو المصري غياب هذه الجمعيات عن ندوة الأمس إلى «مشكلة في آلية العمل الأهلي في لبنان، المعتمدة على شخصنة المشاريع. فالجمعيات لا تتطرق إلى موضوع لم تحظَ بتمويل عليه. وهدفنا هو أن تدمج هذه الجمعيات القضايا التي نطرحها ضمن برامجها الموجودة مسبّقاً». غابت إذاً بعض الجهات، لكن المشاكل لم تغب، وقد وجدت طريقها لتتحقّق «بمن حضر».
ففيما يطالب ناشطون كنقّاش بحقوق كاملة ومن دون مساومة، تحت شعار «لو كانت الدولة قد رفضت خروج العاملات من المنازل التي يعملن فيها خلال العطلة لأنها تخاف عليهنّ من تخلّف مجتمع قد يلحق بهن الأذى في الشارع، فالأجدى بها أن تمنع استقدامهن في الأساس»، ترى سيوفي «أن مسودة القانون لم تمنع ذلك، بل تركت فقط أمر تحديده للطرفين»، بينما يستشف حاضر الندوة من مداخلات الحقوقيين الموجودين بعض «الليونة» في تناولهم القضية.
فرغم تشديد المحامية إقبال دوغان، ممثلة رابطة المرأة العاملة، على ضرورة ضمان حقوق هذه الشريحة من العاملات، فإنها لم تغفل التذكير بأنه «يجب الاعتراف بأن بعض هؤلاء يسيئون إلى الأسر التي يعملن لديها، ولسن مؤهلات كفاية». بينما أوحت المحامية ماري غنطوس، ممثلة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس، خلال مداخلتها، باعتمادها الأساسي على التطور الاجتماعي لضمان حقوق المستخدمات. إذ بعدما كانت «المستخدمة التي تعمل لدى جدتي تجلس على الأرض، أصبحت المستخدمة لدى والدتي تجلس معنا على الكنبة»!!
في ظل هذه الانقسامات الحادة في وجهات نظر الأفرقاء، برزت ممثلة منظمة العمل الدولية، إيمانويللا بوزان، كمن يحاول مسك العصا من الوسط، على مستوى علاقتها مع وزارة العمل. فقد تميّزت مداخلتها بتسديد ضربات «لطيفة»، جاءت بمثابة «ضربة عالحافر ضربة عالمسمار»، إذ أفلت منها تذمّر بشأن «اتصالنا كل يوم بوزارة العمل لتحديد موعد لمناقشة المسودتين. ماذا بإمكاننا أن نفعل أكثر من ذلك؟».
سرعان ما استدركته بالإشادة بالوزير الجديد المتجاوب الذي «يبدو متحمساً للقيام بإنجاز في هذا المجال. ونحن لا يسعنا التدخل في إيقاع الوزارات الداخلي». تتوقع بوزان أن يكون لبنان البلد الثاني بعد الأردن في المنطقة، الذي يقرّ قانوناً لحماية العاملات الأجانب.
في هذه الأثناء، يتوقّع نديم حوري، من منظمة هيومن رايتس ووتش «أن نتوصّل بعد الانطلاقة التي أنجزناها اليوم، إلى تعزيز التشبيك بين الجمعيات اللبنانية التي تعاني مشكلة ثقة فيما بينها». قول الله.