رغم التزام وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تعليم التلامذة الفلسطينيين في المخيمات، فإنّها لم تبادر إلى إنشاء رياض للأطفال. هذا الواقع أدى إلى حرمان نحو 38% من التلامذة فرصة الحصول على تعليم يحضّرهم للمرحلة الأساسية التي يدخلونها مباشرة
عين الحلوة ـ سوزان هاشم
لم تفلح التلميذة في الصف الأول الأساسي، عبير عيسى، في تهجئة حروف كلمة مكتوبة في كتاب القراءة العربية، على الرغم من ترداد المعلمة لها مراراً وتكراراً على مسامع التلامذة في إحدى مدارس الأونروا. فعالم الحروف والأعداد لا يزال غريباً على عبير، التي دخلت المدرسة للتوّ، بعدما حُرمت كالكثير من أترابها الفلسطينيين مقعداً دراسياً في صفوف الروضات. إذ إنّ مدارس الأونروا التي تستقبل التلامذة من عمر 6 سنوات تغفل مرحلة التعليم «ما قبل الأساسي» من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الحالة المادية المتدهورة التي يعانيها عدد من العائلات، ومنهم أهل عبير، لا تسمح بتسجيلها في رياض الأطفال الخاصة المنتشرة داخل مخيم عين الحلوة.
هكذا يدخل التلميذ الفلسطيني المدرسة إلى مرحلة تعليمية تفوق قدراته الذهنية. ويترافق هذا الواقع مع سياسة الترفيع الآلي فيصل التلميذ إلى الشهادة المتوسطة، ويخضع للامتحان الرسمي، وهنا يتبين مدى تدني درجة التعليم، فنسبة الرسوب في مدارس الأونروا في عين الحلوة وصلت أخيراً إلى 70%.
ويشير مدير برامج مركز التنمية الإنسانية في الجنوب محمد بهلول إلى أنّ «هذا المستوى المتدني في التعليم تعمّق أكثر منذ أطلقت وزارة التربية البرامج التعليمية الجديدة في 1999، إذ حملت هذه المناهج صعوبات يستحيل على التلامذة استيعابها، وخصوصاً بعد إلغاء الصف التمهيدي». وكانت الأونروا تبدأ المراحل التعليمية في مدارسها بهذا الصف، حيث كان التلاميذ يتعرفون إلى مفاتيح الكتابة والقراءة. أما الآن، فأضحى الصف الأول الأساسي هو العتبة الأولى في الحياة المدرسية لمعظم التلاميذ، فيدخلون مباشرة في تعلّم الجُمل والحسابات.
وقبل أن يخطو الطفل خطواته الأولى في المرحلة الإبتدائية ينبغي أن يعرف كيفية كتابة وقراءة الأحرف والأعداد وتمييز الألوان، ويتعلّم ذلك في الروضات «التي تمهّد للمدرسة وتنمّي القدرات العقلية والجسدية وتكوّن ثقته بنفسه من خلال اندماجه في مجتمع جديد»، كما تقول مديرة إحدى رياض الأطفال الخاصة في المخيم. وتضيف إنّ الطفل الذي يتجاوز مرحلة الروضات يجد صعوبة في التأقلم مع رفاقه، كما أنّه يظل أميّاً حتى صفوف متقدمة في مرحلة التعليم الأساسي، وخصوصاً مع وجود سياسة الترفيع الآلي.
وينتقل 38% من أطفال المخيم مباشرة من البيت إلى الحلقة التعليمية الأولى في مدارس الأونروا، حسب دراسة إحصائية لمركز التنمية الإنسانية. فإسراء العلي تنظر بحسرة إلى ابنها علي (5 سنوات) القابع أمام عينيها في المنزل، الذي لا تستطيع إرساله إلى روضة خاصة نظراً لسوء حالة العائلة المادية، فالراتب الذي يتقاضاه زوجها من إحدى المنظمات الفلسطينية لا يسمح بدفع رسوم تسجيله فيها. «أعرف أنّه سيتعذب لاحقاً في المدرسة بس شو بدنا نعمل، الأوضاع ما بتسمح».
وإذا كان 38% من التلامذة لا يعرفون رياض الأطفال، فإن ذلك لا يعني أن باقي الأطفال ممن يتوافر لهم حظ ارتيادها هم في حال أفضل، وهذا ما يؤكده أحد المدرسين الذي يقول إنّ معظم الأطفال «زي ما بفوتوا بيضهروا منها».
وتؤكد مصادر من الأونروا أنّ إنشاء صفوف الروضات يتطلب مصاريف تفوق ميزانيتها، وخصوصاً أنّ عدد الأطفال الذين يتوزعون على الروضات يزيد عن 300 طفل، علماً بأن بدل التسجيل في الرياض الخاصة داخل المخيم يراوح بين 150 ألف ليرة لبنانية و450 ألفاً سنوياً.


الرياض بين أوروبا والإسلام

يصنف المدرس عمر كعوش الرياض في عين الحلوة إلى صنفين: إسلامي يركّز على الدروس الدينية ويأخذ بعين الاعتبار برامج وزارة التربية، ويعطي الأطفال المهارات الفنية والعلمية المطلوبة. أما الثاني، فمدعوم من جمعيات المجتمع المدني الأوروبي، ويركز على المهارات الفنية فقط. وبالتالي، فإنّ الأطفال الذين يرتادون الصنف الأخير لا يكتسبون شيئاً من المهارات العلمية. ويضيف كعوش، «هنا يقع على عاتق المدرّس العمل جاهداً لسد الثغر»، فيتبرع بعض الأساتذة لتنظيم أنشطة تقوية في الكتابة والقراءة لصفوف الأول الأساسي. ويرى كعوش أنّ الحل الوحيد يكمن في إنشاء صفوف روضات في مدارس الأونروا، وقيام لجنة تنسيق بين الوكالة والروضات الخاصة كي يجري ملائمة المناهج.