بعض الأمراض تتسلل إلى أجسامنا دون أن نعيرها اهتماماً، نعتقد أن استشارة الطبيب ليست ضرورية، وندفع ثمن الإهمال غالياً، من هذه الأمراض (otite) أي التهاب الأذن الوسطى، التحذير منه أمر أكثر من ضروري. رغم غياب الإحصاءات في لبنان، إلاّ أن عدداً كبيراً من الأطباء يلفتون إلى انتشاره بين الصغار

غادة نجار
الـ otitis مرض يؤدي إلى التهاب الأذن الوسطى، لا سيما لدى الأطفال بين عمر الثلاثة أشهر والثلاث سنوات. من السهل تشخيص إصابة الأطفال بهذه الحالة، حيث ترتفع درجة حرارتهم فوراً، ويشعرون بألم حاد لا يستطيعون تحديد موقعه بسهولة، أما في حالة الرضع فيصبح التشخيص أكثر صعوبة حيث لا يمكن اكتشاف المرض إلّا بعد إجراء فحص للأذن، وذلك كي يتمكن الطبيب من معاينة الالتهاب الحاصل مباشرة. وقد أظهرت بعض الإحصاءات في أوروبا أن 60% من الأطفال الذين بلغوا العام الأول من العمر قد أصيبوا ولو مرة واحدة بهذه الحالة. أما في لبنان فتغيب الإحصاءات الدقيقة في هذا المجال، إلاّ أن معظم أطباء الأطفال الذين يُوجّه إليهم السؤال يفيدون بأن 85% ممن يقصدون عياداتهم، في فصل الشتاء خاصة، يعانون من الـ otitis.
تتصل الأذن الوسطى بالحلق عبر قناة دقيقة، تُعرف باسم Eustache وتحوي غشاءً رقيقاً يحمي الأذن الوسطى عادة من البكتيريا والجراثيم والعناصر الأخرى المؤذية الموجودة في الحلق. في بعض الأحيان تخترق الفيروسات والبكتيريا هذا الحاجز الرقيق وتصل إلى الأذن الوسطى، مسببة التهاباً أي إصابة الطفل بالمرض.
الـ otitis ثلاثة أنواع، اثنان يتميزان بارتفاع درجة حرارة المصاب، ومعاناته آلاماً في الأذن، ويظهر المريض عصبية شديدة، ويبدو فاقداً للشهية، لا سيما لدى الرّضع، فيحاولون الضغط على آذانهم المصابة، وتصبح حركاتهم شديدة الاضطراب.
أما النوع الثالث من الـ otitis فيحدث عندما تمتلئ قناة Eustache بسائل قد يتحول إلى قيح. وهذه حالة متقدمة من المرض تكمن خطورتها في غياب العوارض أحياناً، حيث تنخفض حرارة الطفل بعد تناول الدواء المعالج لأحد النوعين المذكورين آنفاً في الـ otitis وتختفي آلامه بينما تتطور الحالة المتقدمة من الـ otitis بصمت حتى تبدأ الأذن بإخراج القيح. في هذه المرحلة يصبح الطفل عرضة لانخفاض حاسة السمع أو فقدانها لبعض الوقت، وإذا أهملت الحالة فقد يعاني مشاكل في السمع طوال حياته. لذا ينصح الأطباء والخبراء دائماً بزيارة تفقدية ثانية للطبيب حين انتهاء العلاج، وذلك من أجل التأكد من خلوّ الأذن من بقايا التهابات.
يستطيع الطبيب تشخيص الحالات الثلاث بالفحص العيني المباشر، أي باستخدام آلة الـ Otoscope من أجل فحص الأذن، ثم يحدّد العلاج حسب حالة المريض وسنه، إذ إن الأطفال دون العامين يحتاجون إلى antibiotique فوراً، أما إذا كان الطفل فوق هذه السنّ ولا يعاني من آلام حادة فقد يكتفي الطبيب بوصف analgesique أو antinflamatoire المناسبين لسنّ المريض، مع التشديد على مراجعة العيادة بعد بضعة أيام.
يلجأ بعض الأطباء أحياناً إلى وصف أدوية الـ antihistamin و decongestant إلى جانب antibiotique من أجل مداواة بعض مضاعفات الـ otitis، وذلك تبعاً لنوع الالتهاب ومدى تطوره. لذلك يجب ألّا يُستخدم أي نوع من الأدوية في حال استمرار العوارض أو تكرارها دون استشارة الطبيب المختص، أي باستخدام عشوائي للدواء قد يُحوّل المرض إلى حالة مزمنة، تؤدي بدورها إلى مضاعفات لدى المصاب وتُلحق ضرراً دائماً بالأذن وبوظيفتها. وإيقاف العلاج قبل انتهائه بسبب اختفاء العوارض المزعجة لدى الطفل يؤدي إلى النتيجة عينها.
يعتبر فصل الشتاء موسم التهاب الأذن الوسطى المفضل، إذ إن الـ otitis يحدث في أغلب الأحيان بعد التعرض للزكام، لكن هناك عوامل أخرى كثيرة لا تقل خطورة وأهمية، وهي متنوعة وتتعلق بعادات الطفل ومحيطه، منها تدخين السجائر بحضور الطفل، والإقامة في أبنية مزدحمة بالسكان، والتعرض للدخان الملوث، وأمراض الجهاز الهضمي التي تؤدي إلى ارتفاع الحموضة أو الـ Reflux واستخدام المصاصة، وأمراض الجهاز التنفسي والاحتكاك بأطفال مصابين، لا سيما في الحضانات والمدارس، وعدم اتباع قواعد النظافة، لا سيما غسل الأيدي المتكرر.
وعدم الالتزام بالعلاج أو بأساليب الوقاية يسبب بعض التشوهات الخلقية، لا سيما تلك التي تؤثر على وظيفة قناة Eustache.
يصر الأطباء والمتخصصون على أنه يتوجب على الأهل أن يتنبهوا إلى أي التهاب أو عارض غير مبرر لدى الطفل أو الرضيع، وأن يستشيروا طبيب الأطفال أو اختصاصي «أنف أذن حنجرة»، وأن يخضعوا الصغير للتحاليل المخبرية اللازمة، لا سيما فحص السمع، وعليهم أيضاً الالتزام بالعلاج حتى نهايته ومراجعة الطبيب بعد ذلك من أجل التأكّد من الشفاء التام.