كيف نُعرّف بلبنان؟ هل يجد الأهل وسيلة عملية حقاً لتعريف أولادهم بالوطن؟ الدكتورة نجلاء نصير بشور تقدم اقتراحاً، ألا وهو سلسة قصص «رنا ونديم»، من خلالها تشجع على القراءة، وتقدم لبنان من خلال مناطقه وأحيائه، وتراثه الغذائي... والأهم من خلال مفكريه والشعراء والفنانين والكتّاب
جيزيل خلف
كيف نعرّف الأطفال بلبنان؟ كيف نخرج من النظرة التقليدية السائدة عن التبولة والبحار الملاصقة للجبال؟ كيف نساهم في تنشئة الفرد تنشئة وطنية تعرّفه على المساهمات الثقافية الحقيقية؟
الكاتبة والباحثة التربوية والأستاذة الجامعية نجلاء نصير بشّور كتبت «سلسلة رنا ونديم» المؤلفة من خمس قصص، صدر ثلاث منها حتى الآن، وهي: «لمن المنديل على الشجرة؟»، «أين القرقف الأزرق؟»، «ماذا تهمس الأعمدة؟». كل قصة تلخص رحلة في إحدى محافظات لبنان، وهي مخصصة للأطفال من عمر 9 إلى 12 عاماً. صدرت السلسلة عن مؤسسة «تالة» للوسائل التربوية بدعم من وزارة الثقافة اللبنانية في إطار مشروع التعاضد الأولوي ـــ المطالعة العّامة والنشر للأطفال (السفارة الفرنسيّة) ومن إخراج محترف الزاوية.
بطلا القصص رنا صديقة الكومبيوتر طفلة جريئة ومغامرة، وصديقها في المدرسة نديم الفتى الحالم الذي يعشق الفن والشعر والمأكولات.
بيروت كانت نقطة البداية، تبدأ القصة بمطلع أغنية فيروز : «لبيروت من قلبي سلام لبيروت، وقُبل للبحر والبيوت، لصخرة كأنها وجه بحّار قديم».



تنطلق الأحداث من مدرسة رأس بيروت إبان أحداث حرب تموز 2006، إذ استقطبت نازحين من المناطق اللبنانية المنكوبّة، ليكتشف الطفلان قيماً فعليّة للعلاقات الإنسانيّة، من المساعدة والتعاون والتضامن، وينتقلان بعدها إلى حديقة الصنائع، وفي كلا المكانين يتعرف رنا ونديم إلى أصدقاء جدد. تنتهي الحرب ويعود النازحون إلى قراهم، تاركين مناديل تحمل عبارات وأرقام هواتف.
الصدفة تجمع الأطفال من جديد، ليقوموا بزيارة بيروت، ويكون محور المغامرة التعرف إلى معالمها.
في القصة تعريف بالمدينة كأسماء الأحياء: الأشرفية حيث يقطن نديم، أو أحياء أخرى على اسم نوع من أنواع الشجر كالصنوبرة وعين التينة والزيتونة. كما يتعرف القارئ على أبناء بيروت المبدعين وإنتاجاتهم الإبداعية، منهم الفنان البيروتي مصطفى فرّوخ الذي رسم لوحة «حديقتي في الشتاء»، والفنان عمر أنسي الذي رسم «شقائق النعمان»، وشاعر بيروت «الأخطل الصغير»، والكاتب والناشر سهيل إدريس، وشاعر العاميّة البيروتي عمر الزعني.
القصة تذكر متاحف العاصمة كالمتحف الوطني ومتحف سرسق و«كوكب الاكتشافات»، ثم درج مار نقولا الذي يُعرف بدرج الفن. ومن المتاحف تأخذ القصة القارئ إلى وسط البلد ومبنى البرلمان وحديقة جبران خليل جبران مقابل بيت الأمم المتحدة، ثم إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء. لم تنسَ الكاتبة بشّور أي تفصيل، ذكرت الدبكة البيروتية والتلويح بالمنديل والأكلات البيروتية كـ«المفتقة» و«الكبّة الأرنبية».. وفي النهاية نقع على لغز منديلٍ على الشجرة ولكن «الرقم يبدأ بـ03 وهو رمز التخابر الخلوي، لذلك لن نعرف من أين يكون صاحب المنديل».
المغامرة الثانية في الشمال اللبناني في «أين القرقف الأزرق ؟»، حيث يزور رنا ونديم الشمال في إطار مشروع مدرسي عن المحميات الطبيعية. تبدأ الرحلة من طرابلس، وحي الميناء والمقاهي والمحال التراثيّة، ثم ينتقل الصديقان إلى الجامع المنصوري الذي بناه السلطان قلاوون، ثم إلى خان الصابون فبلدة بينو في عكّار... كان الأكل الشمالي هو زاد الرحلة كـ«الشنكليش» والكبّة المشوية التي يختلف مذاقها من منطقة إلى أخرى في الشمال، ولم تنسَ الكاتبة «كنافة القشدة مع الكعك» ومحال الحلّاب للحلويات. ولفنّاني الشمال حصة أيضاً كالفنان صليبا الدويهي، فنان زغرتا، وجبران خليل جبران وغيرهما.
معرفة تراث الشمال لا بد منها، فللامبراطور الروماني ساويروس وقلعة عكار العتيقة وسان جيل في طرابلس وقلعة السّفيرة مكان في سطور القصة أيضاً.
بشور ركزت على المحميات الطبيعيّة كمحمية القمّوعة، ومحميّة حرج إهدن ومحميّة أرز تنورين، وأخيراً محميّة جزيرة الأرانب.. وبين سطور القصة لغز لم يفارق أماكن الشمال لحظة، هو لغز صبي الألوان الذي يراه الأولاد في كل مكان ليتحوّل أخيراً إلى قرقف أزرق، وهو طير معروف في محميات الشمال.
وثمة لغز آخر في قصّة البقاع اللبناني «ماذا تهمس الأعمدة ؟» يجذب القارئ الصغير ليتابع القراءة ويتعرف على لبنانه. ومن طبيعة الشمال إلى مهرجان بعلبك وغناء فيروز والعتابا والميجانا وقلعة بعلبك وعنجر ووطى القاموع والطيبة والصفيحة البعلبكية والخبز المرقوق وزحلة وسهل البقاع «سلّة الإمبراطورية الرومانيّة».
بشور ستكمل السلسلة بقصتين عن الجنوب وجبل لبنان، وهي تؤكد «حاولت منذ البداية أن أكسر الشائع من خلال شخصيّة بطلي السلسلة المناقضين لمقولة الفتاة الهادئة والصبي الشقي». أرادت بشّور تحقيق هدف تربوي ذي بعد ثقافي ووطني «من المهم أن يتعرف المواطن منذ الصغر على وطنه الجميل، وأن يعرف ما يميّز أبناءه ويجمعهم أينما كانوا»، أمّا لغز القصّة فهو يحاكي فضول الأطفال ويجذبهم لمتابعة القراءة. القصص كُتبت بأسلوب سهل يناسب مستوى ابن التاسعة الفكري، ويراعي استخدام الألفاظ الموجودة في الكتب المدرسيّة. أما صفحات القصة فلقد رسمت بعضها بريشة نجاح طاهر حيث كانت بعض الرسوم تعبيراً واضحاً عن فكرة ما، فيما حفزت رسوم أخرى مخيلة الطفل.



في سلسلة رنا ونديم نظرة مناقضة للكليشيهات السائدة، ثمة اهتمام باللغة العربية، وصور لبنان لا تتطابق مع فكرة البلد المنعزل عن محيطه. إنه وطن المفكرين، فيما تدعو الصور التي تُنشر عنه في وسائل الإعلام وبعض الكتب إلى التعامل معه كبلد خدمات وسياحة فقط، أما نتاجات المثقفين فلا تُذكر إلاّ نادراً، وهنا تكمن أهمية قصص بشور