كثر الحديث عن ذاك الشارع في مدينة الميناء الذي أنعش جوّها وأصبح متنفساً لأهالي طرابلس وعموم الشمال، وخاصة لفئة الشباب التي كان عليها أن تقصد ملاهي البترون وحاناتها، وما يترافق مع هذا المشروع من مصروف بنزين، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار نسبياً في تلك الحانات... غير أن الدخول في تفاصيل هذا الشارع وحاناته والعلاقة التي تربط أصحاب الحانات والأهالي بالسلطات المحلية، تظهر بعض المشاكل القائمة على تجاذبات من جميع الأنواع
طرابلس الميناء ـــ نسيم عرابي
منذ حوالى شهر، حصلت إشكالات عدة في الشارع بين بعض الشبان، يمكن وضعها في خانات عدة، إذ بدأ الحديث عن إشكال فردي بين صبية المدينة، ثم ما لبث أن اتخذ الكلام طابعاً طائفياً عن غزو وترهيب وتهجير، وصولاً إلى مصافي السياسة، عن طريق تصنيف الشباب بين أتباع لقوى 14 آذار (تيار المستقبل وأفواج طرابلس تحديداً، بالإضافة إلى القوات اللبنانية) وآخرين من مناصري تيار المردة والتيار الوطني الحر وحزب التحرر العربي.
كل هذا الكلام لم يخرج من إطار الكلام المتناقل في الشارع، إذ لم يتطرق أي تنظيم سياسي لتبني الاعتداء، لكن المسلّم به أن هذه الإشكالات الأخيرة سلّطت الضوء على هذا الشارع، وأصبح السؤال عن سبب المشاكل والحل الذي يبعد التعكير عن صفو الزبائن والأهالي أمراً ملحاً.
مصدر مطلع على وضع الشارع منذ تحوّله إلى شارع سياحي (التوصيف عام وليس قانونياً) في أواخر عام 2005 روى لـ«الأخبار» بعض الحقائق التي من الممكن أن تفيد كل من يريد الاستمرارية لهذا المتنفس وتطويره.
يرجع الحديث عن المشاكل إلى البداية. فمع افتتاح هذه المطاعم والحانات، التي بالطبع تأخذ شكلاً متحرراً إذا حاولنا مقارنة الأجواء في شارع يعقوب اللبان (المعروف بـ«مينو») مع أجواء باقي نواحي طرابلس، بدأت التجاذبات والتباينات على كيفية تنظيم العمل فيه داخل المجلس البلدي، بالإضافة إلى بعض المشاكل بين أصحاب الحانات والمطاعم أنفسهم، التي يمكن اعتبارها أمراً طبيعياً نظراً للمنافسة على استقطاب الزبائن الجدد. تولى أمر التنسيق في البداية رئيس المجلس البلدي عبد القادر علم الدين شخصياً، الذي أبدى حماسة شديدة لتنشيط الحركة في المدينة و«مينو»، ويثني هنا صاحب إحدى الحانات على «الدور الإيجابي والتشجيعي الذي لعبه علم الدين، والتسهيلات التي قدمها إلى جميع أصحاب الحانات دون استثناء». إلا أن «طبخة» أخرى كانت تُحضّرها، بحسب المصدر، اتخذت الشكل التالي: التقت مصالح كل من المحافظين المسيحيين والمسلمين، وكوّنوا كتلة ضاغطة على رئيس المجلس البلدي، «الذي وصل إلى حدّ اتهامه بدعم المخمورين والمنحرفين وحمايتهم».
من جهة أخرى، خرجت بعض الأصوات المعترضة على الضجة التي تسببها الحركة في الشارع، من جانب أهالي المنازل المنتشرة فيه، وهذا ما يسقط صفة «الشارع السياحي» عن «مينو» (بالإضافة إلى وجود مدرسة راهبات القلبين الأقدسين). يلوم المصدر هنا بعض أصحاب المطاعم والحانات على إعطاء الذرائع المناسبة لكل معترض على الجو الجديد، إذ يشير إلى عدم التزام بعضهم بأدنى الشروط المطلوبة، من عدم تقيد في وقت الإغلاق (منتصف الليل)، بالإضافة إلى صوت الموسيقى المرتفع، وعدم التقيد بسن الـ18 لتقديم الكحول وعدم احترام الرصيف العام عبر توزيع الطاولات عشوائياً «فلا يتمكن المارة من التنقل دون المرور بين الطاولات والزبائن، مما أثار استياءً عند بعضهم».
كل هذه التجاذبات دفعت رئيس البلدية إلى التخلي عن «تبنيه» للشارع وتطويره، وجرى اللجوء إلى تأليف لجنة من أعضاء المجلس البلدي للبحث في كيفية حل تلك المشاكل. إلا أن ما حدث لاحقاً أن أصوات المعترضين وجدت آذاناً صاغية وأدوات تنفيذية لهم في هذه اللجنة، «مع الإشارة إلى أن أعضاء اللجنة من غير المسلمين هم الذين أبدوا حماسة غير معهودة لضرب الحركة في هذا الشارع، مع الإشارة أيضاً إلى أن معظمهم نشأوا في أجواء علمانية يسارية بعيدة كل البعد عن الأفكار المحافظة»، لكن المصالح الانتخابية والسياسية (حيث يؤكد مصدر آخر أن محاربة هؤلاء لـ«مينو» هي محاربة لرئيس البلدية في السياسة لا في العمل البلدي) لم تثنِ كبار اليساريين في لبنان عن التحول إلى أصوليين عندما أثارت شهوتهم المراكز وسعوا إلى نفوذ ما، ولو عند أرباب اليمين!، ونتيجة لذلك، انسحب رئيس المجلس البلدي نهائياً من موضوع «مينو»، بعدما كان من الزبائن الدائمين، وبعدما أقام دعوات عدة إلى العشاء (لوفود أجنبية خاصة) في هذه المطاعم. وتزامن غيابه الشخصي والمعنوي مع سحب عناصر الشرطة البلدية الذين ساهموا في ضبط حركة الدراجات النارية المسببة للإزعاج لكل من الزبائن وأصحاب المحال والأهالي، مما وفر أعذاراً إضافية للمعترضين، وخاصة للسكان.
وما لبث الضغط لاحقاً أن تحوّل إلى شكل آخر من أشكال التحالف بين جناحي التيار المحافظ في الميناء، فارتفعت أصوات بعض أئمة الجوامع رافضة الجو العام السائد في الشارع، بالتزامن مع البيانات والعرائض التي رفعت إلى محافظ الشمال ناصيف قالوش، فحملت إحدى العرائض عنوان «الخمر والسكر ما بين الكنائس والمدارس»، وذيلت بتوقيع أهالي المدينة، في محاولة لإبعاد الصبغة الرسمية للعريضة التي كان وراء إرسالها أعضاء في المجلس البلدي ولجنة التنظيم على حدّ سواء.
كل هذه الأحداث والوقائع تدفع إلى التساؤل جدياً: إلى أي مدى سيظل سوء التنظيم وعدم الجدية في التعاطي مع مثل هذه الحالات مصدراً لإلحاق الضرر بكل من أصحاب المشاريع السياحية والأهالي الراغبين في راحة البال؟ سؤال يمكن وضعه برسم المعنيين، على أمل إيجاد الحلول المناسبة التي تساهم في تنشيط مثل هذه المشاريع بدلاً من سحقها!