بدأ مدير «الأونروا» الجديد سلفادور لمبادرو سلسلة زيارات «للقاء موظفي الأونروا والاستماع لحاجات الفلسطينيين»، وهو قال أمس إن «الأزمة المالية العالمية لن تؤثر على خدمات الأونروا» التي تعاني أصلاً تناقصاً مستمراً
صيدا ـــ خالد الغربي
على بعد عشرات الأمتار من مدرسته التابعة لوكالة الأونروا في حي الست نفيسة في صيدا، كان التلميذ الفلسطيني محمد عصام الشريدي يصرخ وهو ملقى على الرصيف بعدما تلقى ركلة عنيفة من تلميذ آخر كانت كافية لتهشيم عظمة الفخذ الأيسر. وفيما كانت المدرسة التي تعمل ككل مدارس الأونروا بدوامين، تشهد كراً لتلامذة الدوام الثاني وفراً لتلامذة القسم الصباحي، كان الشريدي يصرخ من ألمه المتزايد نتيجة تأخر سيارة الإسعاف، بدون أن ينسى تنبيه من قد يهب لمساعدته «أنا فلسطيني مش كل المستشفيات بتستقبلنا دخيلك يا عمو حكمني».
لم يسمع المدير العام الجديد لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في لبنان سلفادور لمباردو، الذي كان يترأس اجتماعاً في مكتب الوكالة في صيدا مع ممثلي اللجان الشعبية الفلسطينية، أنين الشريدي ووجعه المبطن بخوف من لا حماية صحية له في بلد مثل لبنان. فزيارته، وهي الأولى له بعد تعيينه، والتي رافقه فيها مسؤول التربية في الوكالة عفيف مكية ومسؤول الصحة جميل اليوسف، لم تشمل بخريطتها مخيم عين الحلوة، أحد ميادين عمله الأساسية، في ظل تزايد انتقاد الأونروا لخفضها الإرادي المستمر لخدماتها، ما ينعكس تراجعاً في الخدمات الإنسانية والاجتماعية في المخيم. فيما تردد أن الوضع الأمني الذي يعيشه المخيم ربما يكون قد ساعد في عدم زيارة لمباردو له، على أن يزوره في وقت لاحق.
عند مدخل المخيم، مياه آسنة فاضت على الطريق، تفوح منها رائحة فظيعة. الأمر «طبيعي»، فقد أمطرت أمس بشدة. تسمع على جهاز الراديو تعليمات موجهة إلى عامل التنظيفات في أحياء المخيم بوجوب «تنظيف الراغارات ع الخطين». هنا، بالكاد يمر قطوع فصل الشتاء من دون طوفان المياه وتسربها إلى المنازل عشرات المرات.
داخل المخيم كانت نجوى محمد عبد الغني تغسل ثياب العائلة في «لكن» كبير وضعته أرضاً وانحنت فوقه تفرك الثياب بالصابون. لم تكترث المرأة الفلسطينية لزيارة المسؤول الجديد للأونروا. فسواء حضر المدير العام أو لم يحضر، بالنسبة إليها الأمر سيان. تقول وهي لا تزال تعرك الملابس «الماي بتكذب الغطاس، والتجربة علمتني أن المعاناة أكبر من وعودهم»، وتتساءل نجوى «كم من الوفود الدولية ومدراء من الأونروا مروا علينا ولم تسمن زيارتهم بل فاقمت تعتيراً فوق تعتير؟ كم من فلسطيني مات على أبواب المستشفيات أو آخر لم يحصل على عناية جنبته إعاقة؟ دون أن يستثير ذلك أحداً غضباً أو إحساساً بأن خطباً ما قد حصل». «البؤس وشظف العيش يزدادان دون أن نستطيع القيام بشيء. ببساطة، قدرنا العيش لأننا نعيش من قلة الموت».
وفيما كانت نجوى تسأل أسئلتها تلك، ولا أحد يدري إلى أي مستشفى «يقبل الفلسطينية»، نقل محمد عصام الشريدي، كان ممثلو اللجان الشعبية والقوى والفصائل الفلسطينية يثيرون في اجتماعهم مع المسؤول الدولي هواجس أبناء المخيم الحياتية والمعيشية، لا سيما في ظل تدني خدمات الأونروا. «اللقاء إيجابي لكن للموضوع صلة» يقول أحد أعضاء اللجان عدنان الرفاعي مردفاً «نحن بانتظار الأفعال».
وقد تعلم الفلسطينيون من اجتماعات سابقة مع مدراء سابقين أن تكون الجلسة الأولى جلسة «عسل وود»، قبل أن تتحول إلى علاقة مثقلة بالوعود التي لم تنفذ، على الرغم من أن المدير الجديد لمبادرو كان واضحاً حين تمنى «لو أني أملك عصا سحرية لحل كل المشاكل». لكن أهم ما حصل في الاجتماع أنه طمأن ممثلي اللجان الشعبية إلى أن «الأزمة المالية العالمية لن تؤثر على خدمات الأونروا» كما قال سمير جمعة، وهو عضو في لجنة شعبية من لجان مخيم «عين الحلوة» لـ«الأخبار». وقد تنفس الحاضرون الصعداء «لأن المساعدات عم ترقص من دون دف الأزمة المالية العالمية، فكيف بها؟» كما يقول أحد المشاركين في الاجتماع.