عمر نشابهآليّة العدالة مكبّلة ومخترقة على نطاق واسع. هذا ما يُستخلص بعد مراجعة منهجية التحقيقات الجنائية في جرائم التفجير منذ تشرين الأول 2004.
لم يصدر حتى اليوم حكم قضائي واحد يدين مفجّراً. وقد عجزت النيابة العامة عن الادّعاء على أشخاص محدّدين في عشرات التفجيرات التي راح ضحيتها المئات منذ أكثر من 4 سنوات. من الصعب إذاً الإفلات من التساؤل: هل ننتظر المحكمة أو صدور قانون عفو قبل انعقادها؟
لا إنجازات جدّية في جمع المعلومات والدلائل الجنائية، رغم تباهي بعض القادة الأمنيين بتفوّقهم التقني وبمكافآت حصلوا عليها بفضله. فالإنجاز الحقيقي يتحقّق عندما يصدر حكم المحكمة سنداً إلى أدلة حسيّة لا لبس فيها وطبقاً لإجراءات لا شك في قانونيتها ومهنيّتها، وليس عندما تنشر عناوين الصحف رواية جنائية مبنية على أساس عرض في سوق الاستثمار السياسي. الموانع المنهجية لكشف المفجرين متعددة أهمّها:
أولاً، تعدّد الأشخاص والجهات المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة ضمن الأراضي اللبنانية والمتخصصة في التخطيط وصناعة المتفجرات ونقلها، وتوفّر صواعق وقطع كهربائية استخدم جزء منها خلال ثمانينيات القرن الماضي. وبقي البعض الآخر محفوظاً بطريقة سرّيّة، إذ إن الشفافية بهذا الموضوع لم تكن متوفرة حتى داخل الأحزاب والميليشيات.
ثانياً، سهولة استيراد المواد المتفجرة والصواعق بفضل موقع لبنان الجغرافي القريب من ساحة مواجهات تستخدم فيها العبوات الناسفة على نطاق واسع (العراق، فلسطين ومنطقة كردستان). ولا شك أن ضبط الحدود اللبنانية السورية من جهة، والسورية العراقية الأردنية التركية من جهة أخرى، ضبطاً تاماً مهمة مستحيلة. يضاف إلى ذلك ويساهم في استحالته المستوى المرتفع لفساد حرس الحدود الإداري. أما بما يخصّ الاستيراد عبر البحر أو عبر خط المواجهة الجنوبي، فقد تمكّنت الاستخبارات الإسرائيلية على سبيل المثال، من تهريب عبوة ناسفة متطوّرة في أيار 2006 إلى لبنان، كذلك نجح المفجّر الإسرائيلي بالفرار عبر الساحل البحري الشمالي، وذلك بحسب محاضر التحقيق العسكري.
ثالثاً، ضعف إمكانات التحقيق الجنائي المحلّي وعدم توفر المختبرات العلمية القادرة على فحص بقايا المواد المتفجرة لتحديد مصدرها بعد إعادة رسم تركيبتها عبر التعرف على بصمتها التقنية. أما بما يخصّ المختبرات الخاصة فمعظمها غير مصنّفة مهنياً ولا يتمتّع العاملون فيها بالمؤهلات العلمية الخاصة بفحص المواد المتفجرة وتحليلها.
رابعاً، غياب النضوج المهني للمعنيّين بالتحقيق لجهة التعامل مع مسرح الجريمة وتجميع الأدلة الجنائية وتحليلها، وغياب التعاون الاستخباري الإقليمي والدولي الجدّي الذي قد يمكّن المحترفين من جمع وفرز خيوط عن نقل وصناعة وتخطيط لتفجير عبوات.
خامساً، ضعف إمكانات النيابات العامة وقضاة التحقيق التقنية والعلمية التي تمكّن المشرف على التحقيقات من توجيه الضابطة العدلية بمنهجية متطوّرة. إذ إن رئاسة مجلس الوزراء فضّلت التحقيق الدولي والمحكمة الدولية على القضاء الوطني وحرمته من المخصصات المالية الكافية لتطوير قدراته العملية.