شيوعيون، شيوعيون سابقون، شيوعيون undercover... يتحدّثون عن تجربتهم في الحزب وخارجه. لم تكن تجربة هؤلاء الشباب ناجحة دائماً. صادف «الرفاق» خيبات، وعثرات. فأن تكون شيوعياً ليس بالمهمة السهلة في بلد كلبنان، وفي ظل نظام تتناتشه الزعامات الطائفية
ليال حداد ــ ديما شريف
عندما تسمع الرفيق عمر يتكلم بشغف عن الحزب الشيوعي اللبناني تظن أن الشاب قيادي فيه أو مسؤول منظمة ما. خرج عمر من الحزب ولم يخرج. فرغم أنّه لم يعد منتسباً إلى «هذه المؤسسة الختيارة»، إلا قلبه لا يزال هناك. يتحدث عن لجوئه إلى العنف إذا أُخِذ القرار بتغيير اسم الحزب. خرج عمر من التنظيم لأنّه لم يعد يستطيع مواجهة «العصابات والمافيات داخله» كما يقول. ورغم ذلك يتحدث الشاب عن أنّه الحزب الوحيد الذي يلبي طموحه ومشروعه السياسي، وعن عدم وجود أي منظمة تستطيع أن تحل مكانه. «هيدا وقتنا» يؤكد في معرض حديثه عن أنّ الحزب «ملأ مكانه تاريخياً» بكل المعايير. يرفض عمر انتقاد الحزب عبر الأشخاص غير المنظمين، ويؤكد أن أغلبية من هم خارج التنظيم غير فاعلين. ويردّ على المطالبين بحزب بديل بأن يفصلوا في التفكير والتحليل بين الحزب وقيادته. فيمكن التخلص من القيادة، ولكن يجب ترميم المؤسسة الحزبية والحفاظ عليها. ورغم اعتقاده أنّ قيادة الحزب سيئة، فهو يرى أنّ الشباب في الحزب أسوأ منها لطغيان حالة عقم فكري لديهم وعدم فاعليتهم.
فكرة يوافقه في جزء منها حسام المنتسب إلى الحزب منذ سنوات عدة. يرى حسام أن الشباب غير فاعلين حالياً، رغم وجود بعضهم في مناصب قيادية في مناطقهم. ولذلك يلفت إلى ضرورة تنظيم قطاع الشباب والطلاب في الحزب وعدم تكرار التجارب التي فشلت سابقاً. انتسب حسام إلى الحزب لأنه الوحيد الذي يناسبه إيديولوجياً ويجسد نظرته السياسية. ويؤكد أنّه لا خيارات أخرى في هذا الوطن الطائفي.
يأتي حسام من عائلة غير شيوعية، ولكنها ليست بعيدة عن الجو العلماني، ولذلك لم يمانع أهله في انتسابه إلى الحزب الشيوعي لأنه «حزب نظيف ولا شبهات عليه».
هذا الطرح لا يمكن تقبله في عائلة إيلي التي يصفها بالفاعلة في «اليمين المسيحي المتطرف». يؤكد الشاب الجامعي أنّ انتسابه إلى الحزب الشيوعي اللبناني منذ ثلاث سنوات لم يكن ردة فعل على السياسة المتبعة في عائلته. فهو يؤمن بضرورة العمل السياسي على الأرض، لأنه أفضل من أن يكون الإنسان مثقفاً بعيداً عن الواقع. حشرية إيلي الشيوعية بدأت أثناء دراسته الثانوية عندما قرأ تاريخ الحرب الباردة وعرف بوجود «المعسكر الآخر» الاشتراكي. بدأ يوسع أفق قراءاته ويتعرف بالفكر الشيوعي. بعد ثلاث سنوات من تحوّله إلى «شيوعي منفرد»، انتسب إلى الحزب. وهو يُتمّ فيه الآن عامه الثالث. «تعودتُ الحياة السرية التي أعيشها» يؤكد إيلي. فعائلته بطبيعة الحال لن تتقبل مناصرته لهذا الحزب. ويصادف إيلي من وقت لآخر بعض المشاكل لهذا السبب، فيضطر لإخفاء شيوعيته عن بعض الأصدقاء، ويتعاطى أمام الأهل مع جاره الشيوعي الذي يلتقيه أسبوعياً في المركز، سطحياً كي لا يسأله والده عن سبب العلاقة بينهما. لا يستبعد إيلي الانتساب إلى منظمة ماركسية أخرى في حال وجودها، فالحزب برأيه هو الوحيد المتوافر حالياً لجهة تلبية طموحاته الفكرية والإيديولوجية.
في الإطار نفسه، لم يكن «خيار» الشيوعية مطروحاً في حياة ريم. فقد وُلدت وتربّت في بيئة طائفية، بيئة ارتاحت فيها لفترة طويلة، إلى أن تعرّفت إلى مجموعة من الأصدقاء اليساريّين، أعطوها كتباً وموسيقى وأفلاماً، وناقشوها في المشاكل العالمية، السياسية والاقتصادية. بضعة أشهر وأصبحت الفتاة يسارية تلقائياً. «لم أنتسب إلى الحزب الشيوعي يوماً، أسمع الكثير عن المشاكل داخل الحزب، حتى إن أحدهم أخبرني أن المرء يوم يدخل الحزب يكره الشيوعية والشيوعيين» تقول ريم. لا تنتظر الفتاة كثيراً قبل أن تؤكّد أن الحياة «أهيَن هيك». فهي ليست مضطرّة للتصادم مع أهلها، «مش رح يقبلوا بنتهن تكون بالحزب الشيوعي، ورح يعملولي ألف قصة، هيك أحسن».
غير أنّ الشيوعية ليست بالضرورة عبئاً على جميع معتنقيها. فجاد، وهو الاسم الذي اختاره لنفسه للحديث عن الحزب الذي أمضى فيه ما يقارب أربع سنوات. انتسب جاد للحزب يوم كان في التاسعة عشرة من عمره، «بس كنت شيوعي بالفطرة». لم يقرأ الشاب في البداية كثيراً، بل شعر بأنه ينتمي إلى هذه الأفكار «ثمّ علمت أن هذه هي الشيوعية». أهل جاد ليسوا يساريين، ولكن لديهم حدّ أدنى من الفكر اليساري، «جَوّ علماني وتوزيع ثروات عادل بين الأولاد» يقول ضاحكاً. يتحدّث جاد عن مغادرته الحزب من دون تردّد «الأسباب شخصية، وفي الحزب مشاكل كثيرة»، يقولها بوضوح. يدرك أن مشكلة الحزب لا تكمن «في اللغة الخشبية لأنها ليست كذلك، لكن المشكلة في بعض الأشخاص الموجودين الذين يتقاعسون عن معالجتها، لأنّهم قد يضطرون إلى مغادرة مناصبهم». أما المشاكل الأخرى فهي أمور قد لا تكون ظاهرة للحزبيين ولا يراها إلا من كان في الحزب وخرج منه. ورغم هذه الخلافات، يصرّ جاد على أنّ هذه المشاكل تحتاج إلى معالجة سريعة إنقاذاً للحزب. «أنا بطّلت بالحزب بس أنا يساري شيوعي» يؤكّد الشاب، شارحاً أن بطاقة الانتساب والعضوية لا علاقة لها بيسارية الإنسان وليست من تحدّد هويته الشيوعية.
رغم هذه المشاكل، يجمع أغلب الشباب الشيوعيين على أنّ من ينتمي إلى الحزب الشيوعي، ولو لفترة وجيزة، يصعب عليه أن يكون في «المقلب الآخر» أو في أي تنظيم يساري آخر.


انتسابات جديدة