أرنست خوريشكراً يا عباس ويا ناديا. أنتما الحارسان الأزليّان لمركز الحزب في ذاك المبنى الغريب العجيب في حي الوتوات الفاصل بين شوارع بيروت غير المحظيّة وصنائعه «الراقية». ذلك الزاروب الضيّق تعرفانه جيداً. تتردّدان إليه منذ زمن طويل لا أعرف بالتحديد منذ متى. مبانٍ تبدو غنية (لا أحد يدرك ما في داخلها من مصائب عائليّة)، لكن يزعجها مبنى من 7 طبقات عليه علم أحمر، لم يطُل بقربه وجود صورة وضعت لجورج حاوي بعد استشهاده.
عباس يداوم بعد الظهر، آتياً من عمله الثاني، وزوجته ناديا تحل مكانه قبل الظهر. مهماتهما كثيرة: فاكسات واستقبال ضيوف وشاي وقهوة وتحويل اتصالات على نظام سنترال يتعطّل يومياً، لأن عمره قد يناهز سنّ الحزب الذي يخدمه. مبنى المركز غريب فعلاً. مصعده عمره عقود. ضجيجه أعلى من صوت الرفاق. غرفه ضيّقة تحوي مكاتب محشورة. هندسة لا تصلح بأي حال لمركز حزبي جماهيري. هو نموذج لمكاتب صحافية. تطفّل الحزب وأخذه من «النداء» بعدما هجر «قصره» في الطريق الجديدة. يبقى العزاء أن الحزب ليس بحجاره، بل بناسه!
عباس وناديا ليسا سوى نموذجين لمجموعة عمّال المركز. هل قبضتم رواتبكم هذا الشهر؟ آمل ذلك. ما هو جيد أنهم يدركون أن التأخير نتيجة حتمية لما آل إليه حزبهم بعدما خسر (أو خُسِّر أو باع أو تخلّى عن) مؤسساته.
كلام لا يُجدي اليوم. الأهم أن المركز بحاجة إلى إعادة تأهيل من دهان وأبواب وحمامات... لماذا؟ هل لأنّ الشيوعي يجب ألا يكون هاوي فقر؟ أم لأنّ اللياقات تفرض علينا استقبال زوّارنا الكبار بحدّ أدنى من الترتيب والفخامة؟ أم لأنّ المبنى قد يسقط فوق رؤوس ساكنيه في أيّة لحظة؟
جميعها أسباب موجبة لنفضة المركز لا شكّ. يجب أن يكون بحالة أفضل. لكن الأهم يبقى هؤلاء الناس الذين يشغّلون المركز. من ينظّفه ويحرسه ويديره ويرتّبه أولى بالاهتمام. ناديا وعباس وأديل وحياة والرفيقات والرفاق الآخرون نُكبوا في حياتهم عشرات المرات.
اليوم يريدون رواتبهم وحقوقهم في وقتها وكاملة، لكن لا بأس إن تأخّرت ونُكبوا مجدداً، لأنهم لا يريدونها تحويلات مصرفية من الخارج والداخل... فهم شيوعيون.