وجود المرأة في المؤسسات الأمنية والعسكرية اللبنانية يبرز قدرتها على تولي مناصب أمنية رفيعة. إلا أن حضورها لا يزال خجولاً، وخاصة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، حيث يحصر القانون بعض المهمات بها
أمل اسماعيل
لا تشبه أم سعيد باقي عاملات التنظيف في مراكز الشرطة. فهي تعمل في «ثكنة الشهيد يوسف حبيش» أحد أشهر مراكز الشرطة اللبنانية، والمعروف بمخفر حبيش. ولأن هذه الثكنة تضم بين جدرانها مكاتب مكافحة المخدرات وحماية الآداب ومكافحة جرائم القمار، باتت أم سعيد «أشهر من نار على علم»، كما تصف نفسها. وظيفتها الأساسية تنظيف المبنى وتقديم القهوة، لكنها، وبفضل خبرتها المكتسبة طيلة 33 عاماً من العمل في المخفر، نالت «ترقية» إلى «رتبة» مفتشة للموقوفات.
المرأة موجودة في بعض مواقع قوى الأمن الداخلي، لكن وجودها لا يعني أنه معزز بالشكل المطلوب. ففي المخافر يغيب العنصر النسائي الذي يفترض أن يهتم بأمور تفتيش الموقوفات؛ كما تنص المادة 216 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي (لا يجوز تفتيش النساء جسدياً والألبسة التي يرتدينها إلا النساء). إلا أن مخفر حبيش «احترم» هذة المادة واستعان «بأم سعيد» لتفتيش الموقوفات قبل التحقيق معهن.
تستنكر أم سعيد بشدة مسألة تقاضي المال مقابل عملها الإضافي، على الرغم من التضحيات التي تقدمها، إذ إن بعض الضباط يتصلون بها أحياناً في أوقات متأخرة من الليل كي تفتش الموقوفات. قوة شخصيتها وثقتها بنفسها تظهران مدى جديّتها والتزامها في العمل. تعترف أم سعيد بأنها تجاوزت الـ60 عاماً، وتشير إلى قوة بنيتها الجسدية وتضحك معلقة: «قلة الأكل بتبعد الأمراض». عيناها الضاحكتان دائماً، تخبئان أسرار مهنتها، فهي كما قالت «شايفي ناس بهالمخفر ما ممكن يخطروا على بال حدا، ويلي بكون برا ملاك ببين هون على حقيقته». وتتابع ساخرة «أيأس أحياناً عندما أفتش فتاة في ربيع شبابها وتكون مدمنة على المخدرات». وعن الحالات التي لفتتها أكثر من غيرها، تضحك مطولاً وتجيب «أنه منذ فترة قصيرة، أوقف شخص مِثلي بتهمة تعاطي المخدرات واحتاروا في المخفر من يجب أن يفتشه لأنهم لم يتأكدوا من هويته الجنسية».
في المخفر، معظم الموظفين يعتمدون عليها في تقديم الخدمات، ويعلق أحدهم بأنها «دلوعة» المخفر. ما في «موظفة غيرها». يعترف أحد الظباط بثقته الكبيرة بها لأنها لا تقبل الرشوة من الموقوفات اللواتي يحاولن رشوتها مقابل أن تقدّم هي عينة لفحص البول بدلاً عنهن، بغية التحقّق من تعاطيهن المخدرات.
أم سعيد ليست الوحيدة في لبنان. فعدد كبير من المخافر يعتمد على عاملات التنظيف لتفتيش الموقوفات. وفي بعض القرى، يُستعان بجارات المخفر للتفتيش. لكن المرأة ليست غائبة تماماً عن قطعات الأمن الداخلي. ففي السجون وقصور العدل والمطار توجد مفتشات متعاقدات مع الأمن الداخلي. لكن نظرة التفرقة السائدة في جزء كبير من المجتمع، التي لا ترى إمكان أن تعمل المرأة في بعض الوظائف التي ينظَر إليها على أنها خاصة بالرجل (كالحراسة والتحقيق والدهم)، تسري أيضاً على عدد كبير من النساء المتعاقدات مع الشرطة. تقول «وفاء»، حارسة أحد السجون، إنها «تستبعد فكرة وجود مفتشات ومحققات في المخافر، لأن الشغلة متعبة، ولا يوجد ما يحفّز المرأة للقيام بهذه المهمة».
وعن أسباب غياب المرأة عن المخافر يقول ضابط رفيع في قوى الأمن الداخلي إنه «من الصعب على فتاة أن تداوم ليلاً في المخافر أو أن تذهب مع الدوريات التي تجري المداهمات والتوقيفات، لكن إذا أجريت مباراة تطوع لأخذ محققين ومحققات فسيكون عدد النساء الفائزات أكثر من الرجال».
وفي السياق، ذكر مسؤول رفيع في قوى الأمن الداخلي لـ«الأخبار» أن «المديرية لديها توجّه لتطويع نساء في معظم قطعاتها، ومنها مفارز السير والفصائل». وأضاف: «أرادت المديرية ترجمة هذا التوجه عام 2006، فطلبت إجازة مجلس الوزراء لتطويع نساء. وعندما بدأت باستقبال طلبات المتقدمات للتطوع شُنّ عدوان تموز فأجّل المشروع. لكن هذا التوجه لا يزال وارداً، إذ تنوي المديرية الطلب مجدداً من مجلس الوزراء السماح لها بتطويع نساء في السلك».
حالياً، يجري الاعتماد على الذكور المجازين في الحقوق من أجل إجراء التحقيق، علماً أنه ما من شيء يمنع وجود نساء مجازات في الحقوق في الموقع نفسه، هذا ما يدعو للتساؤل عن دور الجمعيات التي تعنى بحقوق المرأة ومطالبتها بمساواتها مع الرجل.


المديرة العامة بالوكالة

حضور المرأة في الجيش خجول، ويقتصر على الشؤون الإدارية والتفتيش، لكنه شبه غائب عن المديرية العامة لأمن الدولة. أما في المديرية العامة للأمن العام، فيبرز حضور قوي للنساء على مختلف المستويات. ويشغل العدد الأكبر من المناصب العليا ضباط نساء، بينهن العميدة دلال الرحباني، رئيسة مكتب شؤون الموظفين، وهي تشغل في الوقت ذاته منصب المدير العام بالوكالة. وتترأس مكتبَ شؤون الجنسية والجوازات العميدة سهام الحركة، أما مكتب شؤون المعلومات، الذي يضم الدوائر والأقسام الأمنية والاستعلامية الرئيسية، فترأسه العقيدة جومانة دانيال.