ألغت الحكومة اللّبنانية الضريبة على الصنوبر المستورد. خطوة ستكون لها أسوأ التأثيرات التي بدأت إرهاصاتها تظهر في سوق أغرقه الصنوبر التركي والصيني، وستظهر قريباً في غابات يحميها تشذيب الصنوبر من الحرائق
إعداد: رنا حايك
يتغنّى جميع اللبنانيين بأحراج الصنوبر التي تغطّي مساحات واسعة من الجبال اللبنانية. Pinus pinea هو الاسم العلمي للشجرة التي تنمو في المناطق الجبلية، حيث توجد تربة رملية تكوّنت في مرحلة جيولوجية يطلق عليها اسم Basal Cretaceous فبخلاف معظم المكوّنات الجيولوجية الأخرى في لبنان، تتميّز هذه الطبقة بعدم كلسيّتها، ما يجعلها تؤمّن نسبة الحموضة الضرورية لنموّ وبقاء شتلة الصنوبر.
سرعان ما أدرك سكان الجبال في لبنان القوة الاقتصادية الكامنة في شجرة الصنوبر، فانكبّوا على زراعتها أينما وجدوا تربة رملية حمراء وأمطاراً كثيفة تساعدها على النمو.
تتجانس غابات الصنوبر مع رقعات الأراضي الرملية الحمراء، فنموّها الخصب الذي يورق بكثافة يجعلها تبدو مروجاً منبسطة كالسجاد الفاخر على منحدرات جبل لبنان. نجدها في مناطق المتن وسوق الغرب (عاليه) والشوف، وفي إحدى أكبر الغابات في الجنوب: بكاسين، البلدة المحاذية لمدينة جزّين.
إن إسهام الصنوبر في الحياة الريفية غير قابل للنقاش: فأكواز الصنوبر تُحصد، وتفرّغ منها حبوب الصنوبر التي تباع بأسعار جيدة جداً وتصدّر أحيانا، حتى إنها أصبحت من أكثر التصديرات المربحة خلال السنوات الأخيرةً. أما الأكواز المفرّغة من الحبوب، فيجري إحراقها للتدفئة خلال الشتاء؟ كما يُستخدم خشب الأشجار الميتة والأغصان المشذّبة في المنازل، للتدفئة أو للبناء. أما أوراق الصنوبر التي تسمّى «السيكون»، فتُجمع وتُستخدم لإضرام النار.
إن لحراثة أشجار الصنوبر ورعايتها أهميتها أيضاً على مستوى حماية المساحات الحرجية. فهي تشذَّب سنوياً بأسلوب معيّن يجعلها تبدو كالمظلة، شكل تستمد منه هذه الشجرة الكنايات التي تطلق عليها باللغتين الفرنسية والإنكليزية:
Pin parasol or umbrella pine
فالتشذيب عملية ضرورية لتأمين اختراق الشمس للغابة، وبالتالي ضمان محصول أعلى من الأكواز.
وتتطلّب رعاية الأشجار وتشذيبها تجوالاً دائماً في الغابة، كما تتطلب عملية حصاد الأكواز تسلق الشجرة بواسطة الحبال. هذا الوجود في الغابة، والتعامل مع الأشجار من دون آلة حراثة، يخفّف من احتمالات حدوث حرائق، فالوقود قليل، والجزء السفلي من الشجرة مشذّب بينما تتركّز الأغصان في الجزء الأعلى منها، مما يصعّب احتمال التقاطها لنيران الحرائق. وهذا أمر جيد، إذ إنه، على عكس شجر البلوط والسنديان، لا يستطيع الصنوبر أن ينبت مجدداً من جذع محروق.
أما المناطق التي يجري إهمال غابات الصنوبر فيها، فقد ثبت تعرّضها لحرائق أكثر عدداً وأشدّ فتكا.ً يتبع هذه الحرائق غالباً لانهيار التربة عند المنحدرات التي كانت تغطيها أشجار الصنوبر، لأن الأراضي الرملية فيها تعجز عن الحفاظ على تماسكها. هنا، يصبح الضّرر نهائياً وتكون نتيجته ما يعرف بالأراضي غير الصالحة: أراضٍ متصحّرة، جافة، ومهجورة بالكاد ينبت فيها أي شيء.
إذاً، قرّرت الحكومة اللبنانية «الحكيمة» إلغاء الضريبة على الصنوبر المستورد، لأسباب غير مفهومة تماماً. ليس الموقف انتقاداً لمبدأ إلغاء الضرائب على المنتجات المستوردة عموماً، فعلى العكس من ذلك، هذا مبدأ يرحّب به حين يتعلّق بمنتجات أساسية يحتاج إليها الفقراء، ولا تتوافر في الأسواق المحلية بينما تتوافر بأسعار رخيصة في السوق العالمي، وحين يرافق تطبيقه برامج تطوير زراعية تدعم البدائل الاستيرادية عند الإمكان.
لكن في حالة الصنوبر، كل هذه العناصر غائبة، والصنوبر هو أبعد ما يكون عن اعتباره منتجاً أساسياً.
فالمواطنون يقنّنون استخدامه في لبنان حيث يرشّ على الأرز المطبوخ أحياناً لتزيينه، ويدخل في أطباق أخرى من المطبخ اللبناني عنصراً غير أساسي.
أما صانعو الحلويات، فهم الشريحة الأساسية التي ستتضرّر من هذا القرار وينتظر من صنّاع البقلاوة المركَّزين خصوصاً في بيروت وصيدا وطرابلس أن يكونوا «جماعة الضغط الأساسية» في هذا المجال.
إن المشكلة الأساسية تكمن في أن إنتاج الصنوبر هو أحد آخر المنظومات الزراعية المربحة في جبل لبنان. هي أيضاً إحدى المنظومات المنسجمة والمتآخية مع الغابة: دمّرها فتدمّر الغابة ذاتها. فإذا توقّّف المزارعون عن رعاية غابات الصنوبر، ستختفي الغابات و«سينقرضون» هم أيضاً: إذ إنهم سيغرقون في الفقر تماماً كما ستغرق الغابات تحت تأثير التربة الرملية التي ستصبح انزلاقية بعد اختفاء أشجار الصنوبر التي تمسكها. هذه نتيجة رائعة بالنسبة إلى المضاربين العقاريين، لكنها في منتهى السوء بالنسبة إلى جميع الآخرين...