خالد صاغيةاعتدنا، نحن اللبنانيّين، أن تجري المتاجرة بقضايا مجتمعنا. كلّ شيء هو مادّة دسمة للعرض في البازار: كيف ننتخب، كيف نتزوّج، كيف ندفع الضرائب، كيف نحصل على الرواتب، كيف نعيش مع جيران ولدوا في طائفة غير طائفتنا، كيف نحترم النظام، كيف نحتفل بالأعياد، كيف يولد الأطفال...؟
المتاجرون كثر. يفتتح البازار مختار محلّة، وتنتهي حفلة التسلّق في آخر الهرم حيث يجلس زعماء الطوائف والمؤتمنون على الدولة. وغالباً ما يكون الاثنان واحداً. تدخل على الخط أيضاً دول إقليميّة وغربيّة، فتصبح مسألة الزواج المدني مثلاً ذات امتدادات تعبر الجزيرة العربيّة.
اللبنانيون، عموماً وعلى عكس ما يشاع، راضون عن الوضع، ويعبّرون عن رضاهم كلّ أربع سنوات في صناديق الاقتراع. لندع جانباً ذاك المواطن المتخيَّل الناقم على الطائفيّة وعلى الزعماء والتائق إلى التغيير... لكنّ هذه القناعة التي نُحسَد عليها فعلاً، لا يمكننا فرضها على سائر شعوب المنطقة، فنفتح من موقعنا بازاراً خاصاً لقضايا شديدة الأهمية في العالم العربي.
لنأخذ مثلاً قضيّة مسيحيّي العراق. لم يبقَ مرشّح لبناني للانتخابات المقبلة، أو طامح للترشّح في تلك الانتخابات، إلا أدلى بدلوه في هذا الخصوص. وقد تضخّمت هذه الظاهرة لدى القيادات المسيحيّة خاصة، فاتّخذت من قضية مسيحيّي العراق مطيّة لإثبات أنّ الخيارات التي اتخذتها في لبنان هي التي تحمي المسيحيّين أينما كانوا. وإذا كانت القوات اللبنانية وقوى أخرى قد انتقدت العماد ميشال عون لدى حديثه عن زيارته إلى إيران باسم مسيحيّي الشرق، فإنّ هذه القوى التي دعته إلى التواضع لم تكفّ هي الأخرى عن السلوك بصفتها تمثّل قيادة مسيحيّة «إقليميّة»!
الجدير بالذكر أنّ معظم المسيحيّين اللبنانيين الذين يُبدون غيرتهم اليوم على مسيحيّي العراق، هم من الذين لم يمانعوا الحصول على مساعدات مالية وعسكرية خلال الحرب الأهلية من الديكتاتور العراقي صدّام حسين. وكأنّ ولاءهم للديكتاتور آنذاك كان يصبّ في مصلحة مسيحيّي العراق. الجدير بالذكر أيضاً أنّ معظم هذه القوى، إن لم تكن كلّها، أيّدت بشكل أو بآخر الاجتياح الأميركي للعراق. ألم تفكّر عندها بمسيحيّي العراق، أم هي تخيّلت أنّهم سينعمون بجنّة الاحتلال؟