بلال عبودعند نهاية الخط البحري لمنطقة الجناح، إذا أتيته من جهة فندق الكورال بيتش، فإنك ستقع بالتأكيد على مبنى ضخم لم يكتمل بناؤه بعد. منذ نهاية السبعينيات يطلق على المبنى اسم «القاعدة البحرية»، هكذا يسميه أبناء حي «سان سيمون» القريب منه. وقد تحوّل هذا المبنى مع الوقت إلى نصب جامد تحاك حوله القصص والروايات. يفصل المبنى بين منطقة تعاني فقراً شديداً من جهة، ومجموعة من فنادق بيروت الخمسة نجوم. «القاعدة البحرية» مهجورة منذ سنوات عدة، بعدما تركتها القوات السورية التي كانت مرابطة فيها، قبل فترة من خروجها من لبنان. المبنى لم يُنجز إذاً، واقتصر بناؤه على الهيكل الباطوني. إنه واحد من مشاريع رجل الأعمال الراحل ألبير أبيلا، أول من أسس محل «سوبر ماركت» في بيروت، وصاحب المطاعم الشهيرة في مطار بيروت الدولي وكازينو لبنان وشركات تموين الطائرات بالمواد الغذائية.
تحوّل مبنى أبيلا خلال الحرب الأهلية إلى مركز عسكري تناوبت على السيطرة عليه أحزاب فلسطينية ولبنانية عدة. ويُقال أيضاً إنه استخدم كثكنة تعذيب في بعض الفترات.
خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، تعرّض المبنى مرات عديدة للقصف من الطيران أو من البوارج الحربية، كانت القنابل تهدف إلى ترهيب المقاتلين الرابضين فيه ليخلوه، كما استهدفت القنابل مضادات للطائرات كانت مزروعة في بعض طبقاته. «على الرغم من ذلك لا يزال المبنى متماسكاً» يعلق ناجي محمود، وستسمع هذه العبارة من عدد كبير من سكان الجناح القدامى الذين يعرفون المبنى جيداً، هذا التعليق يأتي تأكيداً على أن المواد التي استخدمت لبنائه ممتازة، لكن البعض يقول إن بعض طبقاته من الباطون المسلح، والمتخصصون يقولون إن إقامة مبنى مواجه لهواء البحر يتطلب اعتماد وسائل بناء متينة.
في سنوات «ما بعد الطائف» تحوّل القسم السفلي من المبنى إلى مكان يضع فيه صيادو الأسماك شباكهم ومراكبهم للحفاظ عليها من الأمواج العالية، أو يحتمون تحته من الأمطار في الشتاء، فهو يجاور رمل البحر، ولا تفصله عن الشاطئ إلاّ مسافة قصيرة جداً.
بعد الحرب ظل الصيادون يرتابون من الطبقات العليا «القاعدة البحرية»، استغل أبناء الجيل الجديد الأمر، اطمأنوا إلى أن أقدام «الكبار» لن تطأها أبداً. في تلك الطبقات المطلة على الأفق البعيد، صار الشبان يختلون بحبيباتهم بعيداً عن عيون الأهل والجيران، أو من أجل تناول الكحول حيث يمكن تجنّب «وجع الرأس وملاحظات الأهل» كما يقول زكريا، وهو واحد من الشبان الذين لا تخيفهم القصص العديدة التي تروى عن وجود هياكل عظمية بشرية وأشباح في هذا الصرح الضخم. ويعتبر زكريا هذه القصص مجرد «تخريفات» يرويها الأهالي لمنع أولادهم من الذهاب إلى المكان.
القصص عن «القاعدة البحرية» كثيرة، لكل شخص حكايته عنها، البعض يؤكد أنه رأى فيها ملثمين، وآخرون يتحدثون عن حادثة وقعت السنة الماضية بعد انتهاء معارك نهر البارد، حين ادعى أشخاص رؤية مسلحين في المبنى، وجرى الاتصال بقوى أمينة لتحاصر المكان ويتضح أنه خالٍ. لا يسأل أهالي الحي كثيراً عمّا سيؤول إليه وضع المبنى، فقد تعودوا وجوده، ويربط آخرون بقاءه بمشروع أليسار. أما أعضاء بلدية الغبيري فيؤكدون أن ورثة أبيلا هم من يقرر مصيره.