محمد محسنينتظر السائق في «موقف الجامعة» في حي السلّم. يدخّن سيجارة أو يشرب فنجان قهوته على وقع موسيقى بدوية. الطلاب الذين أنهوا برنامجهم اليومي يتجهون نحو الفانات، يأخذون مقاعدهم ويستعدون للمغادرة. مسؤول الموقف يعطي من جهازه اللاسلكي إشارة الانطلاق. كان هادي يظن أن الباص رقم 4 لا يخرج من المنطقة التي يعيش فيها. نجح في امتحانات الثانوية العامة وتسجّل في كليّة العلوم. منزله في تحويطة الغدير لا يحتاج الوصول إليه سوى العبور في الأزقة الفقيرة لحي السلّم. بدأ لغز الفان 4 يتحلحل عندما اضطر هادي إلى «توصيل» حبيبته إلى بيتها الكائن في منطقة الصفَير. ظنّ أن السائق سيتوقف عند المفترق ويكمل طريقه نحو المشرفية. لكن السائق تابع سيره مخالفاً ظنون الشاب الجامعي.
بعد أسابيع، عاش هادي مغامرة الرحلة الطويلة في «الفان رقم 4» الذي حمله إلى... شارع الحمرا، عندها فقط أدرك أن «وسيلته» للتنقل بين الجامعة وبيت حبيبته قد توصله أيضاً إلى مكتبات الحمرا. قطع الفان شارع الجاموس ثم عبر ما سُمّي خلال الحرب «خطوط التماس القديمة»، من مار مخايل وطريق صيدا القديمة بين عين الرمانة والشياح، حيث تهافتت في مخيلته كل القصص التي كانت تُروى عن القنّاصين، لكنّ أولئك ينتمون إلى ماضٍ بعيد. ازدادت طمأنينته عندما جلست بجانبه فتاة جميلة. ظلّ يسترق النظر إليها من «صيدا القديمة» إلى المتحف وميدان «سبق الخيل». عندما كان الفان ينتقل من رأس النبع وبشارة الخوري إلى طريق محاذية للوسط التجاري، لحظ هادي تغيّر شكل المباني والتنظيم المدني. شيء مختلف تماماً عن الشوارع الضيّقة التي اعتادها، كأنه يتابع فيلماً جميلاً، تتوالى فيه الشخصيات، ركاب يتحدثون كثيراً، والأهم أنهم يتحدثون كل اللهجات اللبنانية.