عكار ــ صهيب أيوبحين تطل على مضارب العرب أو «النـور» كما باتوا يُعرفون، من الطريق المؤدية إلى بلدة «بزال» العكارية، تتهافت صوبك نظرات الأطفال المستطلعة باستغراب: ما الذي قد يأتي بغريب إلى هذا المكان؟ يستقبلك الحاج محمد سليمان بكثير من الأسئلة، وهو يحاول الاستفسار إلى أية جهة تنتمي، وما هدفك من الزيارة؟ لكونه كبير العائلة، والسؤال واجب «استراتيجي» لأمن أهالي الخيم من رعيته. وحين تقول إنك تريد بعض المعلومات عن حياتهم هنا، تصرخ إحدى النسوة، التي تبيّن فيما بعد أنها زوجته طالبة.. «ألف ليرة» لبنانية كي تقبل الإجابة عن هذا «الاستجواب»!
يخبرك الحاج أنهم يقطنون المنطقة منذ 13 سنة، وقد ارتحلوا أكثر من 10 مرات حتى استقروا هنا. وقال: «رحلنا مع أهالينا من سوريا مروراً بالأردن، حيث استقرت خيمنا لبضع سنوات، إلى لبنان. قررنا الاستقرار فيما بعد في منطقة عكار، لكونها منطقة معزولة بعض الشيء».
يعيش معظم سكان الخيم حياة بدائية لا تخلو من مظاهر «التمدن»، التي لا يحتاج اكتسابها إلّا إلى بعض المال. شبان يتحلّقون حول شاشة تلفاز متربّع في إحدى زوايا الخيمة يشاهدون مسلسلاً سورياً. تكمل الجولة بصحبة الحاج، فيقول إنهم عانوا بعد مقتل الحريري، وتوتر العلاقات السورية ــ اللبنانية الكثير من المضايقات من أهالي المنطقة، المنتمين سياسياً إلى تيار الحريري. «تعرّضنا للمضايقات من أهالي الجوار، الذين راح البعض منهم يرمي أكياساً من النفايات علينا، أو مواد مشتعلة» ليلهبونا «بالنيران»، فقط لأنهم يعتقدون أننا سوريون، مع «العلم أننا لا نحمل هويّات». تكتسي الخيم مئات الطبقات المتراكمة من «الخيش». أما داخلها، فمجرد بساط من القش أو صوف الماعز، فيما قسَم ساتر من القماش فضاء الخيم إلى أقسام مفتوحة بعضها على بعض، وجعلها بمثابة غرف ترمز أغراضها إلى هوية استخدامها. نساء الخيم يقمن بعد العودة من جولاتهن في التسول، بتوضيب الخيمة وإعداد الطعام لرجال لا يفعلون شيئاً. أما أطفال البدو، فيلعبون في البساتين القريبة من مكان التجمع. لا تمر الأيام هانئه عليهم، فهم إلى جانب ضرب أولاد القرى المجاورة لهم وتعييرهم بأنهم «من النور» يترقّبون عقاباً آخر من أهاليهم، إن لم تكن غلّة التسّول محرزة. فجأةً تتنبّه إلى قيمة الألف ليرة التي طلبتها السيدة في هذا الفقر المدقع.