يصعب تصديق ما جرى في الليلكي فجر أمس. طفل في الثامنة يُعَذّب حتى الموت. ورغم صعوبة التصديق، فإن ما وقع قد وقع. والطفل بقي يصرخ من الألم أكثر من ساعة ونصف ساعة، بحسب ما يذكر سكاّن الحي الذي وقعت فيه الجريمة
حسن عليق
جريمة قتل طفل في الثامنة من عمره قرب ساحة الليلكي. الخبر غير اعتيادي. فالجثة التي نُقلت صباح أمس إلى مستشفى سان تيريز في الحدث مشوّهة، بطريقة يصعب احتمال سماعها وتخيّلها.
الوصول إلى مكان الجريمة ليس هيناً من دون دليل. منازل الحي المكتظ تبدو كأنها مرمية بعشوائية على جانبي أزقة ترابية متشابهة، حوّلتها أمطار الليلة السابقة بركاً من الوحل. والفقر الشديد وحّد مظهر المباني غير المرتفعة بمعظمها. الحزام الأشد بؤساً في الضاحية الجنوبية توقف عن الزحف باتجاه الجنوب. منعه الحائط الذي يفصله عن الجامعة اللبنانية في الحدث. سكان المنطقة، وأكثرهم من البقاع الشمالي، يغلب على علاقاتهم الطابع الريفي ـــ العشائري. لكنه ليس من النوع الذي يبني حاجزاً بينهم وبين زائرهم. وصباح أمس، كان سكان الحي الواقع بين الساحة وحائط الجامعة اللبنانية شديدي الصمت والحنو بعضهم على بعض. ربما هو إحساس بالذنب أنتجه عدم تمكّنهم من تغيير مفعول كان بعضهم قادراً على منعه. إذ إن هادي المقداد، ابن الثماني سنوات، بقي يصرخ أكثر من ساعة ونصف ساعة بين يدي معذِّبه، من دون أن يتدخّل أحد لإنقاذه.
يعيش هادي في منزل شقيقته عُلا وزوجها لؤي الموسوي، منذ أن تزوج والده ثانية قبل أشهر قليلة. والداه منفصلان، ووالدته في سوريا. يقع المنزل في الطبقة الأرضية من مبنى يزبك. يتألف من غرفتين ضيقتين. يقول عدد من الجيران إن لؤي اعتاد أن يضرب الطفل. وتروي إحدى العجائز بلكنتها البقاعية أنها رأت هادي قبل نحو شهر متورّم الوجه، وعلى خديه آثار لسجائر مُطفأة في جلده الطري. تضيف: كان ظهر أول من أمس يقف خلف السياج الفاصل بين منزل شقيقته وزيتونة تظلّل قن دجاج خلف المنزل. تحت الشجرة يقتات عدد من الصيصان. كان هادي يحمل كيس بطاطا بيده، يأكل حبة ثم يرمي الثانية لفراخ الدجاج.
الولد قليل الكلام، تقول صاحبة المنزل الذي استأجره لؤي قبل أكثر من عام. وتردِف: «من شدة الضرب الذي كان يتعرّض له، لم يكن يلهو كغيره من الأطفال. يُسَلّم عليَّ بصوت منخفض كلما أرسلَته شقيقته ليشتري لها حاجياتها من الدكان. نصحتُ يوماً لها أن تأخذه ليعيش في منزل والده، لكنها رفضت». تؤكد السيدة الستينية أن الزوجين كانا دائمي التعارك. «تدخلتُ أكثر من مرة لأفضّ الخلافات التي تحصل بينهما. كان يضرب زوجته بطريقة عنيفة، ثم لا يلبثان أن يتصالحا». تشير إلى زجاج مكسور سُدّت ثقوبه بكرتونة بيضاء ملطخة بالدم، شارحة أن الزوج كان يحطم الزجاج كلما تعارك مع زوجته: «في الليلة الماضية، بدأت أسمع صراخ الزوجة وشقيقها بعيد الواحدة والنصف. ظننت أنه عراك كالذي يقع دوماً في المنزل المجاور».
يُقال في الحي إن لؤي يتعاطى المخدرات ويتاجر بها. ويُضاف إنه كان تحت تأثير مخدّرات مهلوِسة فجر أمس، عندما أراد تعليم الطفل الكتابة والقراءة، لأن الأخير لم يدخل المدرسة. ويروى أن هادي لم يستجب لصهره، فبدأ الأخير يعذّبه، وكان في الوقت عينه يضرب زوجته. كانت الأمطار تهطل غزيرة، وصوت الرعد يخنق صراخ ألم هادي.
عند الرابعة فجراً، لم يعد أهل الحي يسمعون الصراخ. ظنوا أن العراك انتهى على خير. تقول إحدى السيدات إن أحداً من الجيران لم يتدخّل لظنهم أن «الخلاف عائلي». وذكر أحد أبناء الحي أن شقيقاً لهادي كان في المنزل وتمكّن من الفرار ليبلغ أشقاءه بما يجري. كان الفتى قد توفي قبل أن يحضر الأشقاء لينقلوه إلى المستشفى عند الخامسة. وبعد قليل، حضرت دورية من فصيلة الدرك في الحدث. حاول المشتبه فيه الهرب، لكن الأمنيين تمكّنوا من توقيفه. خرجت زوجته بعد ذلك من منزلها ودخلت بيت جارتها، وعلى حد قول الأخيرة، كانت هادئة بطريقة مخيفة. لم تنطق سوى كلمتين: مات هادي. تعلّق الجارة: «لم تتمكّن من طلب النجدة خوفاً من أن يقتلها زوجها».
نُقِل الموقوف إلى مبنى فصيلة الحدث، فيما كشف طبيب شرعي على جثة هادي المقداد في مستشفى سان تيريز. وتبيّن أن الطفل كان مصاباً بجروح أحدثتها آلة حادة في أنحاء مختلفة من جسده، فضلاً عن كدمات عدة. ورجّح الطبيب الشرعي أن تكون الوفاة ناجمة عن نزف داخلي. ونقل مسؤول متابع للتحقيقات عن الطبيب الشرعي ترجيحه أن يكون اثنان من أظافر الطفل قد سُحبا من مكانهما بعد وفاته.


آل الموسوي يتبرّأون