نظّم «معهد الاقتصاد المالي» في الجامعة الأميركية في بيروت مؤتمراً بعنوان «ماذا يفسّر النقص الديموقراطي في العالم العربي؟»، موّلته الجامعة و«مركز أبحاث النمو الدولي» في أوتاوا، وجمع باحثين في مجالي الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعات ومؤسسات بحثية
ديما شريف
«عفواً، لا يمكننا هنا أن نقول دمقرطة، بل الأصح هو تعبير لَبْرلة». عبارة تكررت في جلسات مؤتمر «ماذا يفسر النقص الديموقراطي في العالم العربي؟» الذي نظّمه «معهد الاقتصاد المالي» في الجامعة الأميركية في بيروت، يومي الجمعة والسبت الماضيين. فكلمة ديموقراطية لا يمكن أن تطبق على المحاولات القليلة في هذا المجال في العالم العربي.
قدّم المشاركون أبحاثاً اعتمدت على ورقة أعدّها كلّ من الدكتور سمير مقدسي من الجامعة الأميركية في بيروت والدكتور إبراهيم البدوي من البنك الدولي، تناولت موضوع الديموقراطية والتنمية في العالم العربي. فانطلق الباحثان من نظرية التحديث (modernization theory) التي ترى أن التقدم الاقتصادي يؤدي إلى الديموقراطية، وتوصلا إلى أن العالم العربي يعدّ استثناءً لهذه النظرية، إذ لم يؤثّر التحسّن في الدخل الفردي في إحلال الديموقراطية.
لم يتبنَّ المشاركون حتميّة نظرية التحديث. وتخطّوا الواقع العربي ليقدّموا أمثلةً تقوّض هذه النظرية. ففي أوروبا، نشأت أعرق ديموقراطية فيها، سويسرا، في مجتمع أمّي مكوّن من الرعاة. كما أنّ ألمانيا النازية عرفت لفترة نمواً اقتصادياً كبيراً وتحسّناً في الوضع الاقتصادي دون أن يؤدي ذلك إلى خلق أي مناخ ديموقراطي فيها.
أمّا بالنسبة إلى العالم العربي، فقد حاول الباحثون المشاركون تقديم الحجج المناسبة لتبرير النقص الديموقراطي، لكن مع نتائج متناقضة أحياناً، إذ لم تكن للعوامل المتعدّدة النتائج نفسها في كل دولة. كان النفط العنصر الأكثر دراسةً من حيث التأثير، انطلاقاً من دراسة مقدسي ــــ البدوي التي حددته إلى جانب الصراعات الإقليمية كعنصر مهم لتفسير المشكلة. فالاعتماد الكبير على النفط حوّله إلى أحد عناصر النظام في بعض الدول العربية وعائق أمام التقدم الديموقراطي. ولكنّه لم يكن كذلك في حالة الأردن التي أسهم النفط بطريقة غير مباشرة في «بعض اللبرلة» عبر المساعدات الخليجية، كما جاء في مداخلة جوزف مسعد وطاهر كنعان.
في المقابل، توصّل سامي عطا الله إلى أن النفط لم يؤثر على وضع الديموقراطية في الخليج، لأنّ الأنظمة الاستبدادية موجودة فيه منذ ما قبل الفورة النفطية. ولكنّه يؤكد أن هذه الأنظمة استطاعت أن تستمر بفضل عائدات النفط في دولة مثل الكويت مثلاً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى السودان، حيث أسهم النفط في مدّ عمر النظام الاستبدادي، بحسب الباحثين علي علي وعطا البطحاني، وذلك عكس الجزائر حيث لم تكفِ العائدات لضمان استمرار «صفقة الاستبداد»، كما سمّاها بلقاسم العباس. أما في العراق، فلم يستطع عبد الكريم قاسم أن يترجم النمو في عائدات النفط للاستبداد بالحكم، على عكس فترة الحكم البعثية حين ارتفع المستوى المعيشي وزاد النمو بسبب ريع النفط مقابل القمع.
وكما التباين بشأن علاقة النفط بطبيعة النظام، كذلك كانت الحال مع الصراعات المسلّحة. ففي العراق، لم تؤثر الحرب مع إيران على مسار الديموقراطية فيه، ولكنها أسهمت في الكويت في زيادة مظاهر الديموقراطية على خلاف الدول العربية الأخرى. ففي الجزائر، تمثّل الصراعات الداخلية جزءاً من قدرة السلطة على الاستبداد بالحكم، وكذلك في سوريا التي تتذرع بالصراع العربي الإسرائيلي لاستمرار القمع، وفق ما جاء في ورقة رائد صفدي ورضوان زيادة.
كذلك بيّنت الأبحاث المقدمة كيف أسهمت التدخلات الخارجية عبر المساعدات في إعاقة المسار الديموقراطي أو تشجيعه. فقد عرفت الدول العربية فترات انفراج عندما كان الاتحاد السوفياتي مصدر المساعدات الخارجية، لكنّ المساعدات الأميركية للأردن كانت مقرونة بزيادة القمع، بحسب مسعد.
أما عامل الدين، فكان هناك اختلاف على دوره في إعاقة الديموقراطية. فهناك من رأى وجود تناقض بين الديموقراطية والشريعة، فيما قال آخرون إن المسألة تتعلق بتطبيقه السيّئ، وتأكيد ضرورة التمييز بين الدول الإسلامية، وخصوصاً تلك غير العربية التي لم يمثّل الإسلام عائقاً أمام تبنّي الديموقراطية فيها.


انتقد البروفيسور جان فيليب بلاتو، قصر الوقت المخصّص لإعداد الدراسات المقدّمة (سنة واحدة)، وأكد أن تاريخ المنطقة العربية مليء بالاستبداد، وخصوصاً مع استخدام الحكام للفزاعة الإسلامية لقمع شعوبهم ورفض الإصلاحات الديموقراطية.


توصّل ماركوس ماركتانر وفاديا كيوان إلى أن التجاذب الطائفي وحده ليس مؤثّراً سلبياً على الديموقراطية الجزئية التي يتمتع بها لبنان، بل إن تفاعل هذا التجاذب مع الصراع العربي الإسرائيلي هو المؤثّر، إلى جانب عوامل جيوبوليتيكية وجيو ــ اقتصادية أخرى.



وقفة
غياب


حضر المؤتمر عدد قليل من الطلاب في اليوم الأول، وانخفض العدد في يومه الثاني. وأجبر عدد من المشاركين على التغيّب عن جلسات اليوم الأول بسبب مشاركتهم في الحلقة النقاشية التي نظمتها «المنظمة العربية لمكافحة الفساد» عن «البنية الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع».