فداء عيتانيللطوائف في لبنان حديث أشبه بسير الأفاعي التي لا تنتهي. فكل طائفة تمتاز بما لا طاقة لبني البشر على اكتسابه. المسيحيون في لبنان، واستطراداً في الشرق، هم رسالة، نجهل إلى اليوم مضمونها. ويُعَدُّ الموارنة، لأسباب غامضة، أنهم طليعة الرسالة ورأس حربتها، وهم بحسب التعبير الفاشي لبشير الجميل «قدّيسو هذا الشرق وشياطينه». أمّا السُّنّة فيرون أنّهم العرب الأقحاح دون غيرهم، وأن وجودهم في لبنان إنما لتصحيح خلل، ولإبقاء الواقع التاريخي، لخير أمة أُخرجت للناس (الإسلام)، قبل أن يعودوا ويتلبننوا. وهم يصنفون أنفسهم محرّرين جدداً، لبلاد استجلبت كل أصناف الاحتلال والتدخلات الأجنبية. ويصفون أنفسهم بالمظلومين، وخاصة من الشيعة.
والشيعة من ناحيتهم يعتزون بنهضة كان من عناصرها تعليم عالٍ قدّمه خصوصاً اليسار في لبنان والمعسكر الاشتراكي، واستتبعت بنهوض شيعي في إيران، ولم تتوقف عند تقديم سوريا مؤسسات الدولة الرسمية هدية للطائفة. ويرى الشيعة أنفسهم أعلى كعباً من أترابهم، فهم أقلية حررت البلاد من الاحتلال، ناسين أن أهل الجنوب، في لحظة تخلٍّ إلهيّة، وفي زمن القرف من تجاوزات فتح، رشّوا الأرزّ على الاحتلال الإسرائيلي ودباباته.
الدروز أيضاً يرون أن من عاثر حظهم العيش في بلاد كهذه ناكرة للجميل. فهم، إضافة إلى انغلاق حديدي، يجادلونك في الانفتاح، ويرون أنهم ورثوا هذه الأرض منذ زمن الفراعنة، وهم مَن كان يضيء المشاعل على رؤوس الجبال لتحذير المسلمين من غزوات الفرنجة في التاريخ العربي الغابر. وفي داخلهم يعتقدون أن لبنان ملعون بالكمية، وأن النوع الذي هم منه، أرقى شأناً، إلا أنّه لا يؤخذ بالاعتبار في السلطة.
الأرثوذكس والأرمن وباقي الطوائف من الأقليات الإسلامية كالعلويين، والمسيحية كالأشوريين، كلها تحاجج منطلقة من السياق نفسه. ولكل طائفة مؤسّساتها التي يمكنها أن تعوّض عن تقصير الدولة تجاه فقراء هذه الطائفة. فما دامت الدولة غير موجودة، علينا أن نحمي وجودنا، ولا تشذ في هذا المنطق أي طائفة، فلا السُّنّة التزموا خيار الدولة حين جنّدوا الآلاف في شركات الأمن، ولا المسيحيون التزموه حين ذهبوا إلى إسرائيل.
أما الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتراكم الدين، فهي من مظالم الطوائف الأخرى، التي تأكل البيضة والتقشيرة.