تتراكم مشاكل البقاع البيئية لدرجة مقلقة. الإهمال وغبار السنين والاستخدام المطوّل، وبالتحديد سوء استخدام الطبيعة وقدم البنى التحتية أو غياب الصيانة في أماكن كثيرة جعلت الأمر لا يطاق. هنا استعراض لمشكلة لعل تسليط الضوء عليها يحث المعنيين، رغم انتقاد البعض لذلك بحجة حماية صيت السياحة وفكرة «نيال من له مرقد عنزة في البقاع». فالمواطن أهم بلا شك من زوار موسميين
البقاع ــ رامح حميـة
في الآونة الأخيرة، وأكثر من أي وقت مضى، يختلج سؤال مخيف في صدر كل مواطن بقاعي: «هل المنطقة مقبلة على كارثة بيئية؟». وقياساً إلى وضعه الحالي، وما يعاني من أزمات لا تتم معالجتها، يمكن بعض المراقبين والمتابعين الإجابة بالقول: «إن الكارثة البيئية لن تكون بعيدة»، إذا ما استمرت سياسة «إدارة الظهر» للكثير من المشاكل التي استفحلت وبات السكوت عنها في حكم الاغتيال لصحة الإنسان البقاعي، وللطبيعة الخلابة، فهل المطلوب أن نقول: «صحتين وعافية» للمواطن كلما شرب قطرة ماء تعج بالأوبئة «والنترات» وسائر أنواع الجراثيم، أو كلما تناول رأس بندورة أو بطاطا بنكهة مجارير الليطاني! فمن النفايات المتمركزة في أعالي كل قرية بقاعية، إلى «مجارير الليطاني»، وتلوث المياه والنبات والهواء، بفعل رش المبيدات والذي يمثل منتهى الإجهاد
البيئي.
«البقاع مقبل على كارثة بيئية صحية هائلة، سوف تنعكس سلباً على الإنسان والحيوان والنبات»، هذا ما أكده المهندس محمد الرمح المهتم بقضايا البيئة لـ«الأخبار»، ورأى أن بعض نتائج هذه الكارثة بدأت تظهر معالمها فعلاً من «خلال ازدياد نسبة الإصابة بالسرطان في البقاع، قياساً بغيره من المناطق، بالإضافة إلى أن «الرشح» بات سريع الانتشار، والمناعة من الأمراض أصبحت شبه معدومة».
ولفت الرمح إلى أنه «لا بد من معالجة سريعة ضمن خطة متكاملة من كل الوزارات بدءاً من البيئة والطاقة والصحة وصولاً إلى الزراعة والصناعة». وأشار إلى أن النفايات تجمع في سائر قرى وبلدات بعلبك الهرمل وتنقل منها إلى مكبات عشوائية لم تُراعَ فيها أدنى الشروط الصحية والوقاية العامة، حيث يُلجأ إلى حرقها دون معرفة مدى الضرر الذي يسببه ذلك على صحة الإنسان أو الطبيعة. مضيفاً أن غياب الفرز يسمح للمواد البلاستيكية في النفايات بأن تحترق أيضاً، لكنها رغم ذلك تحافظ على المواد المسرطنة التي تمتصها التربة مع أول «زخة مطر»، لتصل إلى المواطن مباشرة مع مياه الينابيع والآبار، وبطريقة غير مباشرة مع الخضار والفواكه.
المشكلة الثانية تتعلق بالصرف الصحي. ففي ظل غياب محطات التكرير ولجوء بلديات شرقي وغربي، ما يسمى نهر الليطاني، مجبرة، إلى توجيه قساطل مياهها المبتذلة «كروافد» لمجرى النهر، قال الرمح إنه «بات يمثّل مرتعاً للجراثيم والحشرات من جهة، ومصدراً لري الأراضي الزراعية من جهة ثانية»، مؤكداً أنه «لا وجود لأي رقابة نهائياً، سواء من البلديات أو وزارتي الصحة والبيئة».
من جهة أخرى يرى المهندس الرمح أن رش المبيدات عشوائياً من المزارعين يمثّل «منتهى الإجهاد البيئي»، ويقول: «إن استعمال مادة النترات الكيميائية بشكل متزايد وغير مدروس من المزارعين يؤثر كثيراً وسريعاً على المياه الجوفية، نظراً إلى سرعة هذه المادة في التسرب، وهو ما ظهر في غالبية آبار المنطقة».
رئيس بلدية بدنايل، يوسف سليمان، أكد عدم اهتمام الوزارات المعنية بالمشاكل التي تتهدد البقاع برمته، وأشار إلى عدم وجود رابط بين وزارة البيئة والمنطقة التي ربما كانت تعدّها خارج الخريطة اللبنانية». ولفت إلى أن المجموعة الأوروبية سعت في 2006 إلى تقديم معمل لفرز النفايات ومعالجتها و«طلبت دراسات سارعنا إلى تنفيذها، بوصفنا اتحاد بلديات، ولكن بعلبك حصلت على المشروع نظراً إلى عدد السكان والكميات الكبيرة للنفايات، لكنه لم ينفذ حتى اليوم».
وأضاف سليمان أن اتحاد بلديات غربي بعلبك يسعى بمجهود ذاتي إلى معالجة المشكلة التي تخطت كل مستويات الخطر. وعن تلوث المياه، أوضح أن أكثر من 50 بئراً أُجريت الفحوص لها وتبين أن غالبيتها ملوث بمادة النترات الخطيرة جداً التي وصلت نسبتها إلى حد 70%، وقد أكد الخبراء في الاجتماع الذي حصل أخيراً في بارك أوتيل ـــــ شتورا أن هذه النسبة كفيلة بأن تأخذ الشجرة منها ما يكفيها من مادة النترات وهو ما عدّوه خطراً يؤدي إلى الإصابة بالسرطان مباشرة». سليمان رفض الإبقاء على التسمية الحالية لمجرى نهر الليطاني، فرأى أن من «الأفضل إطلاق اسم مجرى الصرف الصحي، وهو ما يناسبه أكثر».
الدكتور الغذائي حسني الطقش أوضح لـ«الأخبار» أن استخدام مخلفات الصرف الصحي في المجالات الزراعية خطر على صحة الإنسان لما تحويه من عناصر مدمرة للبيئة الزراعية كالبوتاسيوم والفوسفور والكروم والكادميوم، وجميعها عناصر سامة ومهلكة للخلية الحيوية.
ولفت إلى أن ري المزروعات بمياه الصرف الصحي يسبب الإصابة بالأورام والفشل الكبدي والكلوي للأفراد نتيجة تناول الخضروات والفواكه المسمدة بها. وأضاف أن استخدام أوحال مياه المجاري في التسميد يمكن أن يزيد من مستويات الديوكسين في جسم الإنسان، من خلال لحوم الحيوانات أو منتجاتها. وحذر الطقش من «وجود خطر حقيقي على صحة المزارعين وأطفالهم الذين يستخدمون مياه الصرف الصحي في تسميد زراعاتهم، حيث ثبت أن ثلثي أوحال المجاري تحتوي على مادة إسبستوس الخطرة».