قاسم س. قاسمكل عام، في الوقت نفسه، يحيي «التراشحة» من الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم «يوم ترشيحا»، بلدتهم التي غادروها منذ 60 عاماً. لا معنى لاختيار النهار بحدّ ذاته. هو مجرد نهار جرى التوافق عليه بين الترشيحاويين في الشتات وأبناء الداخل. وأمس، كان يوم ترشيحا. أحياه فلسطينيّو مخيّم برج البراجنة في «المركز العربي الفلسطيني». وجّهت «حركة أبناء ترشيحا» و«اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني» دعوة لكل أبناء المخيّم. حضر الجميع بشبابهم وشيبهم. ولم يقتصر على الفلسطينيّين، فاللبنانيّون كانوا حاضرين أيضاً. وقفوا دقيقة صمت عن أرواح الشهداء، وجّه بعدها عريف الحفل تحية لترشيحا «عروسة الجليل الطاهرة التي كانت أبيّة على عصابات الاحتلال». حضرت المقاومة اللبنانية والفلسطينية، المتحالفة منها والمتناحرة أيضاً. وفي البداية ألقى الضيوف كلماتهم. الحاج محمد حدرج عضو المكتب السياسي في «حزب الله» قال إنه «عندما نرى هذا الإصرار على أحياء يوم ترشيحا في الداخل والشتات نعلم أن الفلسطينيّ لا يمكن أن ينسى بلده»، فصفّق الناس طويلاً. توالت الكلمات، من اتحاد الشباب الديموقراطي الفلسطيني وأمين سر اللجنة الشعبية في منظمة التحرير، أكّدت جميعها «حق العودة الذي لا عودة عنه». اختصرت كلمة علي فيصل عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية الأزمة الفلسطينية كلها. فالمطلوب بالنسبة إليه لحلّ الأزمة الفلسطينية «نموذج مؤتمر الدوحة مثل الذي ضم اللبنانيّين، وقيام حكومة انتقالية مستقلة تشرف على الانتخابات التشريعية والرئاسية». انتهت الخطب السياسية التي لم يكن يصغي إليها سوى الجالسين في الصفوف الأولى. وجاء دور «الجماهير» لتحيي «يوم ترشيحا» بطريقتها. هكذا وقف أطفال «فرقة الاستقلال»، الآتين من «عين الحلوة»، بلباسهم الأسود، ليغنّوا لفلسطين وترشيحا. لم تكن رحلة الفرقة من المخيّم الصيداوي سهلة. «فرغم الظروف الصعبة جاءت الفرقة وأدّت واجبها الوطني»، يقول عاصف موسى مسؤول الفرقة. تحت لوحة لثائر فلسطيني، تجلس الحاجة إم محمد الطاقة، بثوبها الفلسطيني التراثي لتصفّق بهدوء للشباب وهم يدبكون الدبكة الفلسطينية. كلما ذكرت كلمة «ترشيحا» كانت السيدة تهتف «آمين». انقطع التيار الكهربائي مرات عدّة، دون أن يؤثر ذلك على مزاج الحاضرين أو استمرار البرنامج. فاستمر الشباب يدبكون، ولو على العتمة، فيما تواطأ معهم الحضور فلم يتوقفوا عن التصفيق. عاش الحاضرون ألفتهم كفلسطينيين وأولاد بلد مشتّت، ولو لم يكن الجميع يعرف الجميع. ما همّ؟ غنّوا «للسمرا الفلسطينية» و«قدس العزّ» و«لفّيت المخيمات». وبعد ساعتين من الخطب السياسية والأغاني، انتهى يوم ترشيحا بإعلان ولادة حركة جديدة في المخيم، هي «أبناء الجليل» التي قالوا إنها ستضمّ كل أبناء قرى الجليل الأعلى في لبنان. لم يرغب أحد ترك ترشيحا خلفه في القاعة، فتحجّجوا بالمطر لتأخير خروجهم ولو للحظات.


سنرجع يوماً

لم تنس جدّة حسام روبين أن تغلق باب منزلها عند خروجها من ترشيحا. خبّأت المفتاح في عبّها. اعتقدت أنها ستعود يوماً إلى بيتها ولن تكون رحلتها طويلة. سرق الموت الجدة فورث حسام مفتاح المنزل. يجلس أبو يوسف، وهذا لقبه، في محلّه. ومع أنه لم يكن بباله التكلّم لأي وسيلة إعلامية ، إلا أن أول ما تبادر إلى ذهنه هو فتح درج الطاولة، وسحب مفتاح جدّته منه. يقول لنا «هادا مفتاح ستّي، أعطتني إياه، وبس أموت حياخدوا إبني». يعرف حسام كل تفاصيل قريته، الحالية، لا التي تركتها جدته. هو مؤمن بأن العودة باتت قريبة، وخصوصاً بعد حرب تموز. يحتفظ بالمفتاح مع أنه يعلم أنه لن يفتح أي باب في ترشيحا اليوم.