خالد صاغيةليس سرّاً الحديث عن الفساد الذي يضرب العمل الصحافي في لبنان. بين الصحافيّين من هُم أصحاب «نفوس خضراء»، وبين أصحاب المواقع السياسيّة والاقتصاديّة من يستغلّ غياب قواعد الشفافية عن تداول أبسط المعلومات. فبات الحصول على أي خبر يتطلّب كميّةً هائلةً من العلاقات الشخصيّة التي سرعان ما تتحوّل إلى علاقات تزلّف يحصّل الصحافي منها راتباً إضافياً يُشرك به أحياناً ربّ عمله، ويحصّل السياسي ولاءً كاملاً من أصحاب «القلم الحرّ». الاستقطاب السياسي الحاصل في البلاد ساعد في تغذية هذا الجوّ. فحين «فلت الملق»، قام القادة السياسيون بإعلاء شأن صحافيّين وباحثين من الدرجة الرابعة (وهذه درجة لا علاقة لها بالكفاءة أو بالخبرة، بل بالقيم التي لا يحملونها). بعض هؤلاء أصبحوا ناطقين إعلاميين أو مستشارين إعلاميين، ومنهم من ترقّى ليصبح مستشاراً سياسياً أيضاً.
بات بإمكان من يحمل حقيبة زعيمه أن ينهر صحافياً بسبب رأيه المخالف. وبات بإمكان «مسّيح الجوخ» أن يرفض التحدّث إلى صحيفة لا يناسبه رأيها السياسي. وبات بإمكان زُوَيْعم أن يحدّد طبيعة الأسئلة التي تستهويه الإجابة عنها، وإلا فإنّه سيقفل الخطّ.
ربّما كان من الأجدى أن تتحوّل الصحافة إلى نوع من «الصحافة الكْلَاس»، أي تلك التي لا تركض وراء الخبر. صحافة تكره الأحداث مثلاً. صحافة تقوم من وقت إلى آخر بأبحاث عبر الإنترنت، أو بتحقيقات لا تتطلّب جهداً كثيراً. ورغم ما يحمله هذا الحلّ من دعوة إلى الكسل، وربّما الفناء، فإنّ نتيجته مضمونة. الصحف، حتّى مع كسل كهذا، ستكون أجمل.
حلّ آخر: بدلاً من الصحافة «الكلاس»، يمكن اعتماد صحافة «الهامش». فإذا كان همّ الصحف الإضاءة على ما يجري في المجتمع، فإنّ الأساس في ما يجري ليس حتماً ما يدور بين الرئيسين فؤاد السنيورة وميشال سليمان مثلاً، بل في ما يحدث في الهوامش، تلك المساحات التي لا يحتاج الصحافي إلى إذن رسمي للدخول إليها. تلك المساحات التي يتطلّب الوصول إليها جرأةً وصدقاً، لا تزلّفاً ووضاعة.
أمّا حاملو الشُنط وراء زعمائهم، فبإمكانهم الاستمرار بممارسة ذلّهم اليومي.