للعام الثاني على التوالي، تسود فكرة «حقوق الإنسان» كلمات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب الذي يعقد في بيروت، في حضور قادة أجهزة أمنية عربية تحمّلها جمعيات حقوقية عالمية ووطنية المسؤولية الكبرى عن انتهاك حقوق الناس في مراكزها وسجونها
عبادة كسر
الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني والثلاثين لقادة الشرطة والأمن العرب عقدت أمس في فندق «لو روايال» في الضبية. انطلق المؤتمر بالنشيد الوطني اللبناني، بعدئذ اعتلى رجل دين المنبر تالياً آيات من القرآن. عريف الاحتفال، العميد المتقاعد محمد ياسر الأيوبي استهل مقدماته بأبيات من الشعر، ولاقت إشادته بالمقاومة التي دحرت العدو تصفيقاً حاراً من الحضور.
«لا إنماء من دون أمن، ولا أمن من دون إنماء، ولا أمن وإنماء من دون احترام لحقوق الإنسان». بهذه العبارة، بدأ وزير الداخلية زياد بارود ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان في المؤتمر كلمته التي كانت الأولى. وأضاف: «لم يعد مفهوم الأمن في القرن الواحد والعشرين، مفهوماً توتاليتارياً قمعياً مرتبطاً حصراً بحماية الدولة لذاتها أو حماية نظامها فقط». ولذلك، رأى «أن الأمن متصل بالفرد وبرفاهيته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وباحترام حقوقه حتى لو مذنباً». وبرأي بارود، لم تأت العولمة علينا بالإيجابيات فقط، بل إنها صدرت أحياناً مفهوم الجريمة المنظمة، فضلاً عن أن الإرهاب يهزأ من قيمنا العربية ويضرب سمعتنا ويتسلل الى أراضينا بسبل مختلفة.
من هنا وضع بارود سؤالا برسم أعمال المؤتمرين، بشأن ضرورة وجدوى إنشاء جهاز شرطة عربية (عرب بول) على غرار جهاز «يورو بول» في دول الاتحاد الأوروبي. ووضع بارود تصوراً أولياً لهذا الجهاز الذي يفترض أن يضم مسؤليين في الدول العربية من أجهزة الجمارك والهجرة وحرس الحدود ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتكون مهمته التنسيق بين مختلف الدول الأعضاء وجمع المعلومات وتداولها عن الجرائم التي لها علاقة مشتركة بأكثر من دولة.
وبدوره أشار محمد بن علي كومان، الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، إلى استفحال جريمة الإرهاب في الدول العربية. ولذلك، «لا بد من تعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين الدول العربية، ومع سائر الدول الحريصة على مواجهة الخطر». وأكد كومان ضرورة التعاون «الحقيقي» في مجال مكافحة الإرهاب، «لأن الاكتفاء بإعلان النوايا لا يحقق أمناً».
الأمين العام للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول)، رونالد نوبل، رأى أن «استحداث مكتب انتربول إقليمي فرعي للبلدان الناطقة باللغة العربية من شأنه أن يتيح للبلدان العربية الاستفادة بشكل أفضل من آليات التعاون العالمية، التي ييسرها الانتربول لمساعدتها على مكافحة المجرمين والإرهابيين».
من ناحيته، شدد رئيس المؤتمر، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، على ضرورة إعادة النظر بطريقة مكافحة الجريمة، مقترحاً استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار تطور أساليب ارتكاب الجرائم وعولمتها، وتعتمد رفع المستوى العلمي لعناصر الشرطة والتخصص مع احترام حقوق الإنسان.
انتهت الجولة الأولى من المؤتمر بتجوال الوفود في أروقة معرض الأسلحة والصور القديمة لقوى الأمن الداخلي، كان قد سبقها تعثر عرض فيلم وثائقي عن قوى الأمن الداخلى، لكن المحاولة عادت ونجحت. بدأ الفيلم مع صورة لبيروت وأخرى لجبل لبنان، ليظهر فجأة شاكر العبسي على الشاشة العملاقة، وتنتقل الصورة إلى شارع المئتين في طرابلس. في البداية كان الفيلم صامتاً، غير أن تحرّك أحد المنظمين أدى إلى إعادة الصوت إليه، ليتحدّث عن قوى الأمن الداخلي وإنجازاتها. بعد ذلك، أغلِقَت الأبواب لتبدأ الجلسات المغلقة، على أن يستمر المؤتمر إلى ما بعد ظهر اليوم.
وسيناقش قادة الشرطة والأمن العرب جدول أعمال يضم عدداً كبيراً من البنود، أبرزها نتائج تطبيق توصيات المؤتمر السابق، ومشروع الخطط الاسترشادية للسياسة الجنائية والتصدي للجريمة ودور الشرطة في رعاية ضحاياها.
حضور «الصف الأول» من قادة الأمن العرب لم ينعكس تشدداً في الإجراءات الحمائية. وكما في العام الماضي، وصف زملاء صحافيون تعامل أفراد من قوى الأمن الداخلي معهم بأنه «ينتقص قليلاً من الاحترام». فقد وصل بعض الصحافيين إلى ثكنة القوى السيارة في الضبية عند الثامنة صباحاً حيث تسلّموا بطاقات التعريف الخاصة بهم. وعند الثامنة والنصف نقلوا إلى فندق رويال بلازا في حافلة للأمن الداخلي. ثم انتظروا في موقف للسيارات ما يقارب ساعة. التأفف والملل كانا طاغيين على وجوههم، والنكتة كانت سبيلهم لترطيب الأجواء. لم يختلف المشهد كثيراً عندما أنجزوا مهمتهم، وافترشوا أحد أرصفة الفندق لأكثر من نصف ساعة، ريثما يفرج عن الباص الذي سيقلهم الى الثكنة المذكورة، حيث ركنوا سياراتهم.


بدكن تنتقدونا؟

يبدو أن ما أوردته «الأخبار» (في عددها الصادر يوم 31 تشرين الأول 2007) عن افتتاح مؤتمر قادة الشرطة العرب في العام الماضي أرّق بعض الأمنيين الذين شاركوا في تنظيم مؤتمر العام الحالي. وطرح عدد منهم أمس سؤالاً على مندوبة «الأخبار»، نورده حرفياً: «شو بدكن تنتقدونا اليوم كمان؟»