من وقت لآخر يتجدد الحديث عن القنبلة الكهرومغنطيسية، قليلون يعرفون أنها لا تقتل البشر ولكنها قادرة على تدمير كل ما يتعلق بالحياة العصرية، إنها سلاح يستفيد من اعتمادنا على الطاقة الكهربائية، فتضربها مدمرة كل مرافقها والشبكات التكنولوجية المعتمدة على تقنيات الاتصالات الهاتفية
رشيد أسعد
إذا انقطع التيار الكهربائي عن مدينة دون وجود مصادر طوارئ أخرى للطاقة، يمكن للكثير من الناس أن يموتوا، ولكثير من المؤسسات والشركات أن تعاني نقصاً فادحاً في الإنتاج... وقد يضرب انقطاع التيار الشبكات الإلكترونية التي تشغل المؤسسات الحكومية والعسكرية فتُصاب بالشلل التام. القنبلة الكهرومغنطيسية (e- bomb) هي سلاح يستفيد من اعتمادنا على الطاقة، وبدلاً من قطع التيار الكهربائي عن منطقة محددة، فإن هذه القنبلة تدمر كل الأدوات التي تعمل بالكهرباء. المولدات ستكون دون فائدة، السيارات لن تعمل، الاتصالات الهاتفية ستتوقف، وهكذا... في غضون ثوان قليلة، يمكن لقنبلة كهرومغنطيسية من الحجم الكبير أن تعطل أي مركز عسكري مهما كبر حجمه. يُذكر أن الولايات المتحدة تسعى لإنتاج هذه القنبلة منذ عقود، ويُعتقد على نطاق واسع أنها أصبحت ضمن ترسانتها العسكرية.. كما يخشى خبراء تكنولوجيا من تمكن بعض الجماعات المتاهضة لهم من إنتاج قنابل من هذا النوع ولو بتكنولوجيا أقل وحجم أصغر.
تعتمد هذه القنبلة على النبض الكهرومغنطيسي الذي يؤسس لحقل كهرومغنطيسي قوي، ما يؤدي إلى تعطيل كل الدوائر الكهربائية وحرقها في المنطقة المستهدفة. وُذكر في هذا الإطار، أن الكهرومغنطيسية هي نتاج علاقة تبادلية بين التيار الكهربائي والحقل المغنطيسي. وكل الإشارات التلفزيونية، الراديوية، الخلوية والضوئية... هي عبارة عن حزم من الطاقة الكهرومغنطيسية. بالتالي، إذا أمكن إحداث تغيرات حادة في حقول مغنطيسية ضخمة، فإن ذلك سيؤدي إلى إيجاد أو حث تيار كهربائي كبير داخل أي موصلات للكهرباء كخطوط الطاقة وخطوط التلفون وحتى الأنابيب المعدنية... تنقل الموصلات بدورها التيار القوي إلى الأدوات الكهربائية وإلى شبكات الحواسيب التي تعتمد على خطوط الهاتف، مما سيؤدي إلى احتراقها وذوبانها... وإلى انفجار كل المحولات والمكثفات داخلها.
يمكن الحديث عن عدد من التقنيات التي تسمح بإنتاج هذه الحقول الكهرومغنطيسية وتصويبها نحو أهدافها، أي استخدامها كسلاح فعال، ففي عام 1958، أجرت الولايات المتحدة تجربة القنبلة الهيدروجينية في المحيط الهادئ فانفجرت مصابيح الإنارة في شوارع هاواي على بعد مئات الأميال، ووقع خلل في كل الأجهزة الراديوية على مسافات أبعد بكثير مثل أوستراليا. واكتشف العلماء لاحقًا أن أشعة غاما الناتجة من الانفجار حررت كمية كبيرة من الإلكترونات من ذرات الأوكسجين والنيتروجين الموجودة في الغلاف الجوي. وأدى «طوفان» الإلكترونات (تيار كهربائي) إلى أن تتفاعل بدورها مع الحقل المغنطيسي للأرض. ما أوجد نبضاً كهرومغنطيسياً هائلاً وحثّ تياراً كهربائياً قوياً داخل كل الآلات الكهربائية على نطاق مساحة واسعة.
وتعتمد التقنية الثانية على مبدأ الموجات الكهرومغنطيسية القصيرة جداً بطاقة عالية. في هذه التقنية، تشبه القنبلة الكهرومغنطيسية «فرن الميكرو ويف» أكثر مما تشبه قنبلة عادية، حيث يمكن لهذا الفرن الذي يعمل بطاقة ضخمة أن ينتج طاقة كهرومغنطيسية مكثفة جداً ويصوّبها. ويُعتقد على نطاق واسع أن بإمكان صواريخ كروز الشهيرة حمل هذه الآلة التي تمزق كل الأهداف من الجو. هذه التقنية متطورة للغاية ومكلفة جداً، لذا يعمل الخبراء والباحثون العسكريون على اختراع قنبلة أقل كلفة تعتمد على مبدأ توليد الدفق المضغوط، وهي عبارة عن أسطوانة معدنية تُلفّ حولها شرائط موصِلة بشكل كثيف، وتوضع داخلها مواد شديدة الانفجار. يكوّن الصاعق مجموعة من المكثفات القوية. لدى حصول الانفجار، تتمدد الموجات الناتجة داخل الأسطوانة، مما يدفع بالمكثفات إلى إرسال تيار كهربائي عبر لفة الشرائط. هذا التيار يحثّ حقلاً مغناطيسياً كبيراً ومضغوطاً داخل الأسطوانة. لدى تحرره وتمدده، يتحول إلى حقل كهرومغنطيسي فعّال ليضرب كل الأدوات الكهربائية والإلكترونية الواقعة ضمن مجاله. تؤثر هذه القنبلة على منطقة صغيرة نسبياً، لكنها تحدث ضرراً كبيراً.
يمكننا القول إن القنبلة الكهرومغنطيسية غير قاتلة لكنها مؤذية جداً، فهي قادرة على تعطيل أنظمة التحكم بكل الآليات العسكرية، وأنظمة التحكم بالصواريخ والقنابل ووسائل الاتصالات، وأنظمة الملاحة الجوية والبحرية والرادارات، والمجسّات واللواقط العسكرية القصيرة المدى والبعيدة المدى والتحصينات المُقامة تحت الأرض. باختصار تصبح أية وحدة عسكرية مستهدفة غير قادرة على تخطيط أي هجوم أو تحديد أي موقع للعدو.
ورغم أن القنبلة الكهرومغنطيسية غير قابضة للأرواح، فإنها تعطل الكثير من أدوات حياتنا المدنية، ولدى حصول هجوم كبير بهذا السلاح على بلد متمدن، فإن كل أشكال الحياة العصرية ستتوقف على الفور. سيكون هناك الكثير من الناجين، لكنهم سيجدون أنفسهم في عالم مختلف وغريب.