وقف ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي فوق ركام مدارس الأونروا في الجزء القديم من مخيم نهر البارد، مؤكداً في خلال حفل رمزي لمناسبة بدء جرف ركام ذلك الجزء أن «ما نشهده اليوم هو الخطوة الأولى في مسيرة إعادة إعمار المخيم». لكن أهالي المخيم في الوقت ذاته كانوا يتظاهرون صارخين: «يا للعار يا للعار، بعتو البارد بالدولار!» في إشارة إلى تخوفهم من عدم إعادة إعمار المخيم
نهر البارد ــ عبد الكافي الصمد
هذا الانقسام بين مشهدين لا يبعد أحدهما عن الآخر أكثر من 200 متر تقريباً، ويفصل بينهما الجيش اللبناني بعتاده وجنوده وأسلاكه الشائكة، عكس عمق التباين بين الفلسطينيين بهذا الخصوص، فضلاً عن مخاوفهم من «أن لا تكون الوعود التي تعطى لنا من القيادة الفلسطينية والحكومة اللبنانية والدول المانحة لجهة إعادة الإعمار أكثر من حقن مهدئة»، على حد تعبير أحد مسؤولي الفصائل.
الدخول إلى المخيم بالنسبة إلى الصحافيين كان من مدخله الشمالي لناحية العبدة. الإجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش اللبناني لم تتغير، إلا أن التساهل في دخول الإعلاميين إلى المخيم كان واضحاً. «مَن كان اسمه في اللوائح المعطاة لنا، تأكد من أنه صحافي، وأضفه إلى اللائحة»، يقول أحد الضباط للعناصر عند الحاجز، بعدما تبين أن عدداً من الصحافيين لم ترد أسماؤهم.
الشارع الرئيسي من الجزء الجديد في المخيم لم تتغير معالمه كثيراً. وإذ لوحظت حركة مواطنين لافتة فيه، وفتحت محال تجارية جديدة أبوابها على جانبيه بعد تأهيلها، فإن مشاهد الدمار وآثار المعارك من حرائق وغيرها لا تزال حاضرة، ما يعطي انطباعاً واضحاً عن غياب الجهود الفعلية لإعادة إعمار المخيم، ولو بجزئه الجديد، وتهيئته ليكون مكاناً لائقاً لاستيعاب عودة أكثر من 30 ألف نسمة من سكانه إليه، وهم الذين لا يزال أكثر من نصفهم لاجئين خارجه.
عند الوصول إلى حدود الجزء القديم من المخيم، يحدد عناصر من الجيش وجهة الطريق التي يجب سلوكها لدخوله للوصول إلى مكان الاحتفال. يستعد المصورون لالتقاط صور طالما انتظروها في جزء لم يسمح لهم بدخوله سابقاً، وحاولوا التحايل كعادتهم لالتقاط صور تناسبهم، مع تعليمات متكررة من عناصر الجيش بالتحذير من التقاط صور العسكريين ومراكزهم.
أقلّ من دقيقتين استغرق وقت الوصول إلى مكان الاحتفال، الذي كان عبارة عن خيمة نصبت على عجل فوق ركام مدارس الأونروا التي كانت قائمة على تخوم الجزء القديم. وعند الوصول، كانت المفاجأة غير سارة لمعظم الصحافيين، إذ تبين لهم أن وعدهم بالدخول إلى الجزء القديم من المخيم، وهو الجزء الأكثر إثارة وانتظاراً في زيارتهم، لم يكن سوى سماحاً لهم بالدخول إلى شريط ضيّق يفصل بين الجزء القديم والجزء الجديد، وما عدا ذلك فلائحة الممنوعات التي وضعها الجيش كانت بالفعل طويلة.
ومع ذلك، أمكن القول إن آثار الدمار في الجزء القديم شاملة. ويبدو واضحاً أنه لم يسلم منه شيء، ما جعل فكرة جرف ما بقي منه، وخصوصاً أنه مجرد ركام، مسألة مقبولة لدى الفلسطينيين ولو على مضض، لأن من يراه للوهلة الأولى يظن أن زلزالاً أو إعصاراً ضربه»، على حد تعبير فتحي أبو علي، أحد الناشطين في المخيم.
من عمق المخيم القديم تظهر جرافات وشاحنات محملة بالركام آتية باتجاه محطة فرز وفرم هذه الحمولات التي وضعت على بعد أقل من 100 متر من شاطئ البحر، والتي يشرف على عملها عشرات العمال. لكن كل تلك الضجة والحركة لم تمنع مسؤول القيادة العامة في الشمال أبو عدنان عودة من التعليق قائلاً: «إذا كانت عملية الجرف ورفع الركام ستسير وفق هذه الوتيرة، فإننا سنحتاج إلى سنوات وسنوات للانتهاء من هذه العملية».
قرب الخيمة التي كانت معدة للاحتفال كان حشد كبير من الإعلاميين المحليين والأجانب يتوافدون، فضلاً عن حضور معظم مسؤولي الأونروا في لبنان وفي الشمال. وقد اقتصر الحضور الفلسطيني على زكي ومساعديه، وممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان مروان عبد العال. فيما قاطعه معظم ممثلي الصف الأول من الفصائل الفلسطينية في لبنان، إن كانوا في منظمة التحرير أو قوى التحالف، وتحديداً أمين سر حركة فتح في الشمال رفعت شناعة الذي استبق الاحتفال ببيان شن فيه هجوماً لاذعاً على زكي، متهماً إياه «بهدر الأموال وتجيير خدمات السفارة لمصلحة المقربين منه».
في غضون ذلك، لم يكتم عبد العال في حديث مع «الأخبار» تخوفه من أن «المشكلة كبيرة، والعائق أمام الناس هو بتلبية احتياجات الإغاثة والإعمار وإعادة الحياة للمخيم»، لافتاً إلى أن «الوعود التي تلقيناها دفترية، وهي عبارة عن خرائط موجودة على الورق».
وفيما رأى أمين سر اللجنة الشعبية في المخيم، لطفي الحاج أحمد أن «أي جرف بلا بدء للإعمار لا يعني لنا شيئاً، ونتيجته ستكون سلبية»، أوضح مسؤول الإغاثة في الأونروا في الشمال محمد عبد العال لـ«الأخبار» أنه «سنبدأ بجرف قطاع واحد من أصل ستة قطاعات قُسِّمَت في المخيم، والانتهاء من الجزء الأول يحتاج إلى نحو 3 أشهر، على أن يحتاج أمر إزالة ركام المخيم كله ما لا يقل عن سنة ونصف».
وإذ أشار عبد العال إلى أن «المخيم سيُبنى بعد تقسيمه إلى 8 قطاعات، وأن الأموال المتوافرة تكفي لجرف الركام ورفعه وبناء قطاع واحد فقط»، أوضح أنه بسبب نقص الأموال، فإن أعمال الإغاثة التي تقدمها الأونروا للنازحين ستتأثر، لأن لدينا إمكانات لمدة شهرين، وبعد ذلك الوضع ليس معروفاً».
وفيما حاول مستشار رئيس رئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني زياد الصايغ رسم صورة تفاؤلية لناحية أن «الأموال يجري توفيرها والإعمار سيبدأ مطلع العام المقبل، ولا صحة للشائعات»، أكد أكثر من مصدر فلسطيني أنه «يوجد قرار سياسي بالجرف، ولا يوجد قرار سياسي بالإعمار، وأنه إذا كانت أموال الإغاثة للنازحين والمهجرين غير متوافرة، فكيف سيوفرون أموال البناء وإعادة الإعمار؟».