البقاع الشمالي ــ رامي بليبلكانت الساعة الحادية عشرة ليلاً عندما وصل السيل الجارف من أعالي الجبال الشرقية المحاذية لبلدات عرسال ورأس بعلبك والقاع في البقاع الشمالي، مروراً بحوض نهر العاصي وبلدة الشواغير، متخطّياً في سيره الهادر كل الإجراءات الأمنية لمنع العبور والتهريب على الحدود اللبنانية السورية، وجارفاً معه أحلام مزارعي تلك المنطقة ومربي الأسماك فيها وأرزاقهم.
في اليومين الماضيين كانت الأمطار غزيرة كعادتها في مثل هذا الموسم. بدورها، كانت وعود الدولة التي قطعتها السنة الفائتة عرقوبية. هكذا أدارت ظهرها لمئات أصحاب الكروم وأحواض السمك، فلم تهتم بالتعويض عليهم، ولم تنفذ كل ما أطلقته من وعود عبر الهيئة العليا للإغاثة تارةً، ووزرائها المعنيين طوراً، لجهة دفع التعويضات وإيجاد حلول قيل إنها تتمثل في بناء سواتر حجرية وترابية في مجرى السيل لتكوّن بحيرات يستفاد منها في الري أيام الشح الصيفية. نهر العاصي صاحب الحصة الأكبر في الأضرار تحول ليل البارحة إلى خليط من الأوحال والأتربة والحجارة، وكل ما اعترض السيل الذي حطّ من الأعلى على مرأى من عشرات الهرمليين، الذين توزّعوا على ضفتي النهر وشرفات الفنادق المطلة على العاصي لمشاهدة الحدث السنوي.
حسين مطر وهو صاحب مسمكة، انفجر غضباً وكلاماً بعد الكارثة التي حلّت برزق «صرفت عليه دم قلبي». فأشار إلى أنهم شبعوا وعوداً وزيارات بروتوكولية إعلامية فقط دون أن يجري تنفيذ الوعود التي تعهدت بها الدولة. ولفت إلى أنها المرة الرابعة على التوالي التي يقضي فيها السيل على أحواضه دون أن يجري التعويض عليهم.
علي مشهور علوه، وهو صاحب مطعم ومسمكة في المنطقة، ذكّر بعدوان تموز وما حل بهم جراء تدمير منشآتهم، حين أضاف العدوان خسائر جديدة إلى خسائرهم السنوية الموسمية بسبب السيول المتكررة، قائلا: «من جديد، وفي التوقيت نفسه من كل عام، نحن على موعد مع كارثة بسبب السيول الموسمية التي لا تُبقي ولا تذر. فلا نحن قادرون على أن نجد حلولاً تتناسب مع إمكاناتنا المادية التي لم تعد على الحديدة بل أصبحت تحتها بشبر، ولا الدولة جادة في تنفيذ مشاريع تستفيد بها من المياه المتساقطة، وتدرأ في الوقت ذاته خطر السيول عن المواطنين».
ورغم أن السيل الأول لهذا العام انفضّ على خسائر بسيطة ليست بحجم خسائر الأعوام السابقة، فإن عشرات العائلات نُكبت هذه المرة أيضاً، في رزقها، في الوقت الذي تجتاح فيه موجة الغلاء إمكانات الغني قبل الفقير. فهل من حلول تبقي في جيوب هؤلاء المزارعين ثمن صفيحة مازوت يتدفأون بها أو ينقلون بها مريضاً إلى مستشفى في المركز، أو ما يسد أودهم وأود أولادهم بربطة خبز، وكتاب مدرسي وحبة مهدّئة للأعصاب؟