حاصبيّا ــ عسّاف أبو رحّالفي فترة التشرينين تخلو القرى والبلدات الجنوبية إلا من العجزة وكبار السن غير القادرين على العمل، حيث ينتقل الأهالي إلى حقولهم لجني موسم قطاف الزيتون الذي يشكّل مرتكزاً اقتصادياً ومصدراً أساسياً في عيشهم. ويطالب المزارعون بضرورة حماية إنتاجهم ودعمه، لأنه يشكل بنظرهم قاعدة اقتصادية متوارثة اعتمدتها أجيال عدة، وهي اليوم حاضرة بفاعلية، بدليل اتساع رقعة الأراضي المغروسة بأشجار الزيتون.
عملية القطاف ما زالت ضمن الإطار التقليدي القديم والمتعارف عليه منذ عقود، تتمّ يدوياً بعيداً عن الآلة غير المتوافرة، وتستخدم فيها أدوات في غاية البساطة: «السلالم، الشبيق أو المفراط، الخيش، وعلبة تنك لجمع المحصول المطروح أرضاً. إنها عملية تقليدية بأدوات بسيطة ما زالت معتمدة في قرانا الجبلية، لعدم توافر تقنيّات حديثة، وبالتالي تتقاسم العائلة المهمات. فمنهم من يلتقط حبات الزيتون عن الأرض، وآخر يعمل في القطاف، وثالث يستخدم الشبيق.
أما نقل الإنتاج من الحقل إلى البيت فقد بات أسهل من الماضي لوجود طرقات زراعية ووسائل نقل تخدم مساحات واسعة من الأراضي، وحلت السيارات محل البغال والدواب، وبات العمل أيسر وأسرع. كما أدخلت المكننة في عملية فصل الورق وتعريب حبات الزيتون، إضافة إلى ماكينة مصنّعة محلياً تعمل على رصّ الزيتون قبل بيعه.
وفي مقارنة بين الماضي والحاضر، تقول نجيبة أبو رحال: «كان ابني فايز شغلتو وعملتو ورا «الدابة» كل النهار في نقل الزيتون، أما اليوم مع وجود السيارة صارت العملية أسهل بكتير».
وتغطي زراعة الزيتون ما نسبته 80 في المئة من مجمل الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة وادي التيم. ويقول رئيس الجمعية التعاونية الزراعية في حاصبيا رشيد زويهد: «إن زراعة الزيتون آخذة في الاتساع سنة بعد سنة ليرتفع بالتالي المنتج العام».
ويضيف: المواطن اللبناني يجهل قيمة الزيت المحلي، لذا نحن بحاجة إلى تنظيم حملات إعلانية تبيّن قيمة إنتاجنا الوطني وترشد المستهلك إلى النوع الجيد رغم فارق السعر».
وترتبط جودة الزيت بموقع المنطقة وارتفاعها عن سطح البحر وبعدها عن الأماكن الرطبة، هذه الزراعة بعليّة تتلاءم وطبيعة منطقة حاصبيا التي تفتقر إلى مصادر الريّ. ويوجد حالياً أكثر من نصف مليون شجرة زيتون، ثلثها حديث العهد وإلى جانبها بضعة آلاف من الأشجار القديمة المعمّرة يعود تاريخها إلى زمن الرومان.
ويرى أصحاب المعاصر أن كمية الإنتاج تلامس الستة آلاف طن من الزيتون في سنوات الحمل. وتواجه هذه الزراعة معوقات عدة تحدّ من اتساع رقعتها بعض الشيء. ومن هذه المعوقات أمراض متعددة يجهلها المزارع لغياب الإرشاد الزراعي مثل: عين الطاووس، المن القطني ومكافحة الذبابة. كذلك فإن ارتفاع أسعار المبيدات يسهم في عجز المزارع العارف بخطورة هذه الأمراض عن مكافحتها.
وتعدّ عملية تخزين الزيت أمراً مهماً للحفاظ على جودته. ويقول فارس كساب صاحب معصرة حديثة: «يمكن تخزين الزيت اللبناني أربع سنوات مع بقائه محافظاً على جودته شرط عدم تعريضه للضوء والحرارة، ويفضل استخدام أوعية مصنوعة من المعدن المضاد للصدأ أو الزجاج محكمة الإغلاق لمنع التأكسد. وقديماً كانت الأوعية الفخارية معتمدة وحلّت محلها البراميل البلاستيكية، واليوم باتت مادة الستنلس مفضّلة فيما الزجاج هو الأفضل، لكن حجم الكميات المنتجة لا يسمح باستخدام الزجاج».
ويشير كساب إلى أن «المعاصر الحديثة شكّلت نقلة نوعية خدمت هذا القطاع، وجعلت الزيت اللبناني يتضمن المواصفات العالمية المطلوبة».


صفيحة الزيت بـ 150 دولاراً

ترتبط عملية قطاف الزيتون بتوافر اليد العاملة التي تأخّر حضورها هذا الموسم وهي في غالبيتها سورية، الأمر الذي أدى إلى تأخر جني المحصول. ولقد ارتفعت أجور القطّافين مع بدء الموسم من 20 ألفاً إلى 25 ألف ليرة لليوم الواحد، لغياب العمالة اللبنانية من جهة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية في لبنان من جهة أخرى. هذا الجانب قابله ارتفاع في كلفة القطاف على أساس المقطوع من 18 ألف ليرة إلى 30 ألفاً لكل 20 كيلوغراماً من الزيتون. كذلك ارتفع سعر كيلو الزيتون إلى خمسة آلاف ليرة، فيما راوح سعر صفيحة الزيت بين 125 و150 دولاراً بدلاً من 60 دولاراً العام الفائت، هذا الارتفاع في الأسعار سببه محدوديّة الإنتاج وكثرة الطلب، ما يخدم المزارع اللبناني الذي واجه كساداً في السنوات القليلة الماضية.