محمد زبيبمنذ أسبوع تقريباً، نظّمت المنظمة العربية لمكافحة الفساد حلقة نقاشية تحت عنوان «البنية الاقتصادية في الأقطار العربية وأخلاقيات المجتمع»، وخلصت النقاشات إلى أن كل مشروع إصلاحي لا يهدف إلى القضاء على الفئوية في النظام السياسي محكوم بالفشل، كما أن كل مشروع للقضاء على الفئوية لا يمس بالاقتصاد الريعي محكوم بالفشل أيضاً. الحالة اللبنانية كانت بمثابة دليل المشاركين إلى هذه الخلاصة، فهي مثّلت نموذجاً فظّاً، في رأيهم، لتلازم الريع والفئوية، حيث إن طغيان النشاطات الريعية على بنية الاقتصاد عزّز النظام الطائفي/ الفئوي وكرّس تبعيته للخارج تاريخياً، والعكس صحيح أيضاً... وهذا ما أسهم في إفشال كل التصوّرات الإصلاحية التي حصرت همّها في طرف واحد من هذه المعادلة، بل أسهم كذلك، وهذا الأهم، في إطاحة كل القوى التي كان يمكن أن تمثّل أدوات الضغط أو الرافعات من أجل «الإصلاح».
وتؤدّي التحويلات ــ بأشكالها وقنواتها المختلفة بما في ذلك التحويلات السياسية ــ دوراً مركزياً في تأمين شروط استمرار النموذج اللبناني القائم، وهي باتت تجسّد «الحاجز الريعي» بامتياز، إذ إن ارتفاع حجم هذه التحويلات إلى ما بين 6 مليارات و10 مليارات دولار سنوياً وفّر للطبقة السياسية قدرة خارقة على الاستمرار في ظل ظروف تبدو كارثية، كما قلل حاجة اللبنانيين إلى مطالبة الطبقة السياسية بالعمل الجدّي لمعالجة هذه الظروف وتحسين مؤشّراتها.
لقد أجرى صندوق النقد الدولي استطلاعاً لمجموعة من الدول، وتبين له أن كل دولة ترتفع فيها التحويلات تقل فيها الحاجة إلى الإصلاح، من دون أن يعني ذلك أن أوضاع هذه الدولة أفضل من الدول الأخرى، التي تواجه ضغوطاً كبيرة من مواطنيها لتأمين احتياجاتهم وتعزيز مشاركتهم السياسية.
ومرّة أخرى، يظهر لبنان كحالة نموذجية، فالدولة لا توفّر الخدمات الأساسية للمواطنين، وهي تتلاشى لمصلحة تنظيمات دون مرتبتها، والمواطنية مفقودة لمصلحة انتماءات ضيقة مذهبية بالدرجة الأولى، والعقد الاجتماعي هو عقد طائفي ويجري اختصاره بالمحاصصة بين القوى المهيمنة على طوائفها، والعدالة الاجتماعية مفقودة، وليس هناك مساواة حقيقية بين المواطنين، والإنماء المتوازن لم يتحقق إلّا في أشكاله المشوّهة، والمافيات تسيطر على مقدّرات البلاد... وعلى الرغم من ذلك كله لا يشعر اللبنانيون بأي حاجة إلى «الإصلاح»!