كانت آثار أزمة الغذاء كارثية على البلدان الفقيرة. إلا أن انعكاساتها ظهرت أيضاً في المجتمعات الغنية، الغاضبة على حكوماتها التي أولت اهتماماً أكبر للأزمة المالية بدل أن تلتفت إلى احتواء أزمة ارتفاع أسعار الغذاء.
إعداد: رنا حايك
أظهرت نتائج التقرير الذي أعدّته وكالة بي.بي.سي تأثّر جميع بلدان العالم بأزمة الغذاء، بأشكال متفاوتة. فبينما ترجمت هذه الأزمة في البلدان الفقيرة على شكل جوع ونقص في الغذاء طال أكثر من 900 مليون شخص بحسب تقرير منظمة أوكسفام، ظهرت في البلدان الغنية على شكل ارتفاع حاد في أسعار الغذاء دفع بمواطني هذه البلاد إلى تغيير عاداتهم الغذائية والتقنين في الاستهلاك الغذائي.
ففي 26 بلداً شملها التقرير (أوستراليا، البرازيل، كندا، الصين، كوستاريكا، مصر، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، كينيا، لبنان، المكسيك، نيجيريا، باكستان، باناما، الفليبين، بولندا، روسيا، كوريا الجنوبية، إسبانيا، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا)، اتضح، بعد التحدث إلى 27,319 شخصاً من هذه البلدان جميعاً، أن نسبة الثلثين منهم قد تأثروا جداً بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة خلال العام المنصرم.
في الفليبين وباناما، اضطرّ 63% من المستطلعين، كما أفادوا، إلى التقنين من كمية الطعام الذي يتناولونه. بلغت نسبة هؤلاء 61% في كينيا و58% في نيجيريا.
وفي المجمل، اعترف 43% من المستطلعين في البلدان الـ26 بأنهم قد أجروا تعديلات على نظامهم الغذائي. بدا ذلك واضحاً جداً في باناما حيث تحوّل 71% من المستطلعين إلى استهلاك الغذاء الأرخص ثمناً، وفي مصر حيث اتّبع هذا السلوك 67% منهم، بينما وصلت نسبتهم إلى 64% في كينيا وإلى 63% في الفليبين.
إذاً، سجّلت هذه البلدان نسباً عالية في هذا المجال. إلا أن البلدان الأكثر ثراءً لم تنأَ بمواطنيها عن اتّباع السلوك ذاته.
فحتى في البلدان الغنية كأوستراليا، أفاد 27% من المستطلعين بأنهم قلّصوا كمية الغذاء الذي يتناولونه بسبب ارتفاع أسعاره، بينما أفاد بالأمر نفسه 25% في بريطانيا و10% في ألمانيا.
لم يطل نقص الغذاء هذه المجتمعات الغنية، لكن ما تأثرت به هو ارتفاع أسعاره.
أما ما أغضبها، فهو سلوك حكوماتها التي تحرّكت سريعاً لاحتواء الأزمة التي عصفت في أسواق المال منذ شهرين، بينما لم تحرّك ساكناً لاحتواء ارتفاع أسعار الغذاء. فقد بلغت نسبة الغاضبين من سلوكية حكوماتهم 70% من المستطلعين في البلدان الغنية، تقدّمهم الفرنسيون حيث بلغت نسبة الغاضبين من أداء حكومتهم 79%.
ولم يكن الغضب من أداء الحكومات حكراً على البلدان الغنية. فقد أظهر التقرير استياء مواطنين كثر بهذا الصدد، في بلدان أخرى: ففي مصر، عبّر 88% من المستطلعين عن استيائهم من أداء قادتهم، نسبة وصلت إلى 86% في الفليبين وإلى 85% في لبنان.
فقد دفع استمرار ارتفاع الأسعار ببعض الحكومات إلى رفع الدعم الذي كانت تؤمّنه لمواطنيها على أسعار بعض أنواع الغذاء. إلا أن هذا الاستياء لم يحظ بالوقت الكافي للتطور. فقد أدّى تراجع أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة، تلقائياً، إلى تراجع أسعار الغذاء قليلاً. لكن الأمر بعيد عن الاستقرار، فالأزمة المالية قد تستتبع آثاراً غير حميدة على قطاع الغذاء. إذ تتوقّع منظمة الغذاء والزراعة (الفاو) لجوء الحكومات إثر هذه الأزمة إلى تقليص مساعداتها للبلدان النامية، كما إلى اعتمادها سياسات وقائية كتقليص استيراد الغذاء بهدف حماية إنتاجها الوطني. هذه السياسات ستؤدي، بحسب المنظمة إلى هبوط أسعار الغذاء، وبالتالي، تقليص الزراعات في البلاد التي تصدّر زراعتها عادة، مما سيؤدي بدوره إلى تقليص الدعم الحكومي والقروض المصرفية والاستثمار الخارجي المباشر وأجور العمال.
وبما أن المنظمة تعي هذه الذيول، فقد اقترحت بعض الحلول في القمة التي عقدتها في روما خلال الشهر الجاري بمناسبة يوم الغذاء العالمي. أهم هذه الاقتراحات هي ضرورة أن يتضاعف إنتاج الغذاء بحلول عام 2030. لتحقيق ذلك، يجب دعم المزارعين في البلدان الفقيرة.
فأزمة الغذاء لم تنته، ورغم هبوط أسعار الغذاء بنسبة 6% خلال شهر أكتوبر الحالي، إلا أنها سوف تبقى أعلى بنسبة 13% مما كانت عليه في آب 2007، وأعلى بنسبة 60% مما كانت عليه في آب عام 2006.
فعلى ما يبدو، لقد ولّت أيام الغذاء الرخيص إلى غير رجعة، كما تظهر مؤشّرات عدة، منها افتراض الفاو في إحدى الدراسات التي أعدّتها سابقاً هذا العام، أن سعر برميل النفط قد يصل إلى 104 دولارات عام 2017. فارتفاع أسعار النفط يزيد من تكلفة إنتاج الغذاء منذ عملية الزراعة التي تتطلب مخصبات يدخل النفط في صناعتها، حتى عملية شحن الغذاء ونقله.