خلال الأيام الماضية توالت تقارير مكتب الجمارك اللبنانية عن الآثار العراقية التي صادرتها على معبر المصنع الحدودي، وفي شقة مهرّبها في شارع الحمرا
جوان فرشخ بجالي / عفيف دياب
118 قطعة أثرية عرضتها هذا الأسبوع شعبة جمارك شتورا على الصحافيين، بعدما صادرتها من أحد المهرّبين من الجالية السورية. وأتت المصادرة على دفعتين: الأولى حينما عثر على القطع الأثرية في سيارته وهو يحاول عبور الحدود اللبنانية، والثانية بعدما صودرت من منزله في منطقة الحمرا على أثر إفاداته في التحقيق. وقد أفادت معلومات استقتها «الأخبار» من مصادر رسمية أن التحقيقات الأمنية لم تتوصل بعد إلى تحديد ما إذا كان هذا المهرّب عضواً في شبكة منظمة تعمل ما بين العراق وسوريا ولبنان على تهريب وبيع الآثار العراقية التي تتعرض للنهب منذ بدء الغزو والاحتلال الأميركي. وتضيف المعلومات إن التحقيقات التي تجريها شعبة جمارك شتورا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والقضائية الأخرى توصّلت إلى اعترافات أولية، قادت إلى دهم منزل المتهم في منطقة الحمرا بناءً على إشارة النيابة العامة في بيروت والبقاع، حيث جرت مصادرة 61 قطعة أثرية مختلفة. وأكد مكتب التحقيقات أن قسماً من القطع مزوّر، وكان ينجزها شقيق المتهم المحترف فن الرسم والنحت.
وهنا تجدر الإشارة، إلى أن «الأخبار» أرسلت صور القطع المصادرة إلى عدد من الخبراء في حضارات بلاد ما بين النهرين للاطلاع عليها، وإعطاء ما يمكن من معلومات عنها. وبناءً عليه، أكد مدير معهد الشرق الأوسط القديم في جامعة شيكاغو، البروفسور مكغواير غيبسون «أن الرقم الطينية (التي كانت الجمارك قد عثرت عليها داخل سيارة المهرب) كلها أصلية. حتى إن بعض المدرّسين في المعهد حاولوا قراءة بعض من النصوص المكتوبة عليها. وجاءت القراءة الأولية لأحد هذه النصوص لتظهر أنّه نص إداري يشرح أن أحد الأشخاص سرق شيئاً من إحدى المؤسسات». وقد حاول البروفسور برتران لافون، المختص في الكتابات المسمارية إعطاء فكرة تقريبية عن النصوص المكتوبة، فقال إنها تعود كلها إلى مدينة «أُما» السومرية الواقعة في جنوب العراق، التي تُعرف اليوم باسم تل جوخا. كذلك، حدد لافون تواريخ كل الرقم الطينية، مؤكداً أنها تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، بينما يعود بعضها إلى فترة ما قبل الحضارة السومرية، وبعضها الآخر وصّف على أنه أكاديّ». وهنا تجدر الإشارة إلى أن موقع جوخا يتعرض منذ بدء الاحتلال الأميركي للعراق لأكبر عملية نهب منذ تاريخه. فالسارقون كانوا يسكنون الموقع بالمئات، وهم يبحثون عن مكتبات المدينة الملكية لكي يحصلوا على الرقم الطينية (كتلك التي عثرت عليها الجمارك) ليبيعوها في الأسواق العالمية. فهذه الرقم، التي تغطيها الكتابات المسمارية هي ما يعطي المعلومات الحسية عن تفاصيل الحياة اليومية في بلاد ما بين النهرين.
أمّا عن القطع التي عثرت عليها الشرطة اللبنانية في شقة التاجر في بيروت، والتي تختلف فيها القطع كثيراً. فهناك التماثيل الحجرية، والأواني الفخّارية، وأخرى حجرية نُحتت عليها مشاهد من الحياة اليومية في بلاد ما بين النهرين. وكان بين القطع أيضاً أوانٍ فخارية، وعدد كبير من الثيران التي تحمل بين قرونها أواني فخاريه. وأكد الخبراء أن هذه القطع مزوّرة كلياً، أو جزئياً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أخ التاجر ــ المهرب هو نحّات ورسام محترف، فربما كان يحاول «أن يكمل» القطع الأثرية المكسورة التي تصلهم، أو تقليد الأصلية، مما يشرح العدد الكبير من تماثيل الثيران.
وأشارت شعبة الجمارك إلى أن المضبوطات التي صودرت عند نقطة المصنع وفي بيروت وثّقتها المديرية العامة للآثار في لبنان، تمهيداً لتسليمها أولاً إلى مكتب السرقات الدولية، الذي سيقوم بدوره بتسليم القطع الأصلية المصادرة إلى الهيئة العامة للآثار والمتاحف في العراق، ولكن لم يجرِ حتى الآن الاتصال بأيّ من هذه الجهات.
ولكن، لمَ لا يجري اللجوء إلى تنسيق أمني مع السلطات السورية تمهيداً لتوقيف باقي المتهمين العراقيين والسوريين؟
عن هذا السؤال، أجابت الجهات الرسمية «إن هذا الأمر لم يتمّ بعد، فهناك جهات مختصة في الأجهزة الأمنية والقضائية عليها متابعة القضية مع السلطات السورية، ونحن نستكمل التحقيق مع المتهم لمعرفة ما إذا كان هنالك من لبنانيين في هذه الشبكة، التي تبدو محترفة في معرفة نوعية الآثار العراقية التاريخية الأصلية، وتملك دقة لامتناهية في تزوير بعض القطع بطريقة لا يمكن الإنسان العادي أن يكتشفها، والملفّ أصبح برمّته بيد القضاء المختص في قصر عدل زحلة».