سوف تكون المرة الأولى التي يستضيف فيها لبنان 43 عالم آثار (لبنانيين وأجانب) من أهل الاختصاص، يقدّمون دراساتهم واكتشافاتهم تحت عنوان «التواصل في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، لبنان في عصرَي البرونز والحديد». المؤتمر، الذي تدور فعالياته بين يومي الأربعاء 4 والأحد 9 من شهر تشرين الثاني الجاري، يعدّ أهم حدث علمي لهذا العام بالنسبة إلى علم الآثار في لبنان، تنظمّه «جمعية الأصدقاء اللبنانيين البريطانيين للمتحف الوطني»، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، والمديرية العامة للآثار، وبرعاية وزير الثقافة تمّام سلام. وكانت التحضيرات للمؤتمر قد بدأت في شباط 2006، على أن يعقد خلال 2007، ولكن حرب تموز أرجأته حتى الآن.
جاء تمويل المؤتمر بدعم شخصي من فعاليات سياسية مثل النائب سعد الحريري، وبنك بيبلوس وبعض السفارات الأوروبية التي تكفّلت دفع تكاليف سفر وإقامة رعاياها المختصين بهذا الشأن والمدعوين إلى المؤتمر. وستجمع هذه الندوة نخبة من 42 باحثاً وعالم آثار لبنانيين وأجانب (بريطانيا، النمسا، فرنسا، إيطاليا، قبرص...) كانوا أو لا يزالون مديري حفريات أثرية على مواقع متفرقة من الشرق الأوسط.
خلال هذه اللقاء المهم، سيتبادل المختصون النظريات والمكتشفات التي تعود إلى هذه المرحلة التاريخية المذكورة، من خلال طرح أسئلة متنوعة مثل: ما كان الرابط بين مدينة صيدا وجزر اليونان ومصر؟ هل كانت هناك علاقة تجارية بين تل عرقا ومدن ساحلية أخرى؟ ماذا تخفي الكتابات المسمارية عن العلاقات بين شعوب البحر المتوسط ومدن بلاد ما بين الرافدين؟
سيحاول المجتمعون الإجابة عن هذه الأسئلة وعن غيرها، بعد مناقشة النظريات المختلفة المطروحة.
وتشرح آن ماري عفيش، إحدى عضوات الجمعية ومنظمي المؤتمر أنه «خلال الندوة، سيُصار إلى تحليل ودراسة أهمية دور لبنان في القطاع التجاري والتبادلات الدولية منذ الألف الثالث قبل الميلاد. وسوف تركِّز هذه الندوة بصورة خاصة على الشواهد المادية للنشاطات التجارية لسكان السواحل اللبنانية منذ 5000 عام، في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث كان انهماك السكان بالبحث عن أسواق تجارية مربحة لمقايضة أو بيع منتجاتهم المحلية سمة أساسية لهم». وتضيف عفيش «تظهر نماذج عمليات الاستيراد والتصدير الأولى بوضوح من خلال المواد الأولية واللُّقى الأثرية التي اكتُشفت في أنحاء البلاد، والتي تدلّ على مستويات مختلفة التعقيد من التبادل التجاري، عبر المرافئ في منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط».
تظاهرات ثقافية مع المؤتمر
يتزامن هذا المؤتمر مع بعض التظاهرات الثقافية التي تنظّم في إطاره، إذ تحضّر المديرية العامة للآثار معرضاً لثلاثين قطعة أثرية تحت عنوان «التواصل في حوض البحر الأبيض المتوسط»، يستمر خلال أيام المؤتمر فقط. وكانت القطع المعروضة قد اكتُشفت خلال الحفريات الأثرية الحديثة العهد، وبعض منها يعرض للمرة الأولى. أما يوم الأربعاء الواقع فيه الخامس من تشرين الثاني، فسيكون المدعوون على موعد مع العالم الإيطالي الشهير، باولو ماتيي، مدير حفرية موقع إبلا في سوريا، الذي سيلقي محاضرة بعنوان «معابد وملكات في إبلا. اكتشافات حديثة في مدينة سوريّة بين بلاد الرافدين». كما وسيستكمل برنامج نهار الأربعاء بنقاش حول طاولة مستديرة يتناول «لبنان الحديث والبحر الأبيض المتوسط» تجمع كلاً من وزير الثقافة تمّام سلام، وزير الإعلام طارق متري، البروفيسور ثيودور هانف من الجامعة الأميركية في بيروت والسيد نديم شحادة من تشاتم هاوس في لندن.
في الوقت ذاته، ستعرض في قاعة الاستقبال في فندق البريستول، لوحات تعريفية أعدَّها طلاب لبنانيون، تتضمن نتيجة أبحاثهم في ميادين علم الآثار والتنقيبات، أو في ميدان الدراسات التي قاموا بها في علم الإناسة في لبنان وخارجه.
تبقى الإشارة إلى أن أهمية هذه الندوة تتخطى إطار المناقشات العلمية في البريستول، وما سيخرج منها من دراسات علمية. فمؤتمر على هذا الصعيد هو محاولة للدفع بعجلة الدراسات في حقل علم الآثار في لبنان لتنشيط أهل الاختصاص، وخلق ديناميكية حول عملية المشاركة في الأبحاث والاكتشافات. كما أن جمع خبراء عالميين في بيروت لأكثر من ثلاثة أيام يمثّل خطوة هامة في إعادة لبنان إلى مكانته في قلب البحث الأكاديمي العالمي، مكانة خسرها خلال العقود الماضية، فهو الغائب الأكبر عن خارطة الدراسات والاكتشافات الحديثة، وكما تقول الدكتورة كلود ضومط سرحال، مديرة حفرية المتحف البريطاني في صيدا، الذي أطلق فكرة المؤتمر وعمل بجهد على تنظيم برنامجه وتأمين التمويل الضروري له: «لعل هذه الندوة تكون الحجر الأساس لمسيرة طويلة في هذا المجال الواسع».