استقال القاضي رالف رياشي من مجلس القضاء الأعلى، تاركاً خلفه سلطة قضائية «تُفقدها التدخلات السياسية ثقة المواطنين» بحسب نقيب محامي بيروت. أما رئيس المجلس، فلا ينفي نيته الاستقالة للوصول إلى المجلس الدستوري
حسن عليق
ضجيج لم تعهده العدلية منذ سنوات. القاضي رالف رياشي استقال من مجلس القضاء الأعلى الذي لم يعد فيه سوى 6 أعضاء من أصل 10. ورئيسه، القاضي أنطوان خير، لمّح أكثر من مرة إلى أنه قد يستقيل قريباً ليُعَيَّن في المجلس الدستوري. ومع استقالة رياشي، بات من المستحيل إصدار التشكيلات القضائية المنتظرة منذ أكثر من سنتين، إلا بموافقة وزير العدل. وبعد استقالة رياشي ظهر أمس، ترددت على ألسن كثير من القضاة والمحامين والقانونيين عبارات عديدة يمكن تلخيصها بأن «القضاء يتجه إلى مزيد من التفكك».
وظهر أمس، كان منتظراً أن يعقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعاً يبحث فيه التشكيلات القضائية، إلا أن معظم أعضاء المجلس لم يحضروا، فقدّم رياشي استقالته. وبلهجته التي كانت أكثر حزماً من المعتاد، قال رياشي لـ«الأخبار» إنه لن يقبل أن يكون «عضواً في مجلس لم يتمكّن من إصدار التشكيلات القضائية منذ سنتين ونصف، في وقت يبقى فيه 105 قضاة عاطلين من العمل». وأضاف رياشي أن مجلس القضاء الأعلى أنهى التشكيلات منذ آب الفائت، «وقيل لي إن وزير العدل أبدى ملاحظاته على هذه التشكيلات بحسب ما يتيحه له القانون، إلا أنني حتى اليوم لم أتمكّن من الاطلاع على هذه الملاحظات». وكشف رئيس الغرفة السادسة في محكمة التمييز الجزائية لـ«الأخبار» أنه كان قد هدّد في الجلسة السابقة لمجلس القضاء (يوم الاثنين الفائت) بالاستقالة إذا لم يُنجَز بحث التشكيلات في جلسة الخميس، ولما «غاب أعضاء المجلس اليوم (أمس) من دون أي عذر، ما عداي أنا والرئيس خير، قدّمت استقالتي». وأضاف: «لقد صبرت منذ آب الفائت، ولن أطيق صبراً بعد اليوم. قدّمت استقالتي لأحافظ على قَسَمي بالسهر على حسن سير العدالة». ورداً على سؤال، قال رياشي إنه يرفض التذرع بغياب رئيس هيئة التفتيش القضائي عن المجلس لعدم إصدار التشكيلات، «إذ ثمة سابقتان أصدرت خلالهما رغم غياب رئيس هيئة التفتيش في الأولى، وغياب المدعي العام التمييزي في الثانية. إضافةً إلى ذلك، فالمادة الثامنة من قانون تنظيم القضاء واضحة وصريحة، وهي لا تنص على وجود نصاب لاجتماعات مجلس القضاء، حيث تتخذ القرارات بأكثرية من حضر». وإذ نفى رياشي ما يُتداول في الأوساط القضائية والقانونية من أن لاستقالته علاقة بتعيين أعضاء المجلس الدستوري وقضاة المحكمة الدولية، تمنى «عدم تسييس قراره بالاستقالة». وختم بالقول: «نحن نتعاطى مع بشر، لا مع أدوات منزلية. لا يمكننا أن نترك عشرات القضاة عاطلين من العمل فيما العدلية تختنق بالملفات العالقة».

خير: التشكيلات قد لا تصدر

رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي أنطوان خير، علّق على استقالة رياشي بالقول لـ«الأخبار» إنه لا يستطيع أن يبت هذه الاستقالة؛ «فالرئيس رياشي عضو منتخب في المجلس، وإذا أصر على قراره، تصبح استقالته نافذة حكماً». وأكّد خير أن أعضاء المجلس «تسلموا ملاحظات وزير العدل على التشكيلات»، مشيراً إلى أن «النصاب لم يتوافر» في جلسة أمس، ولذلك لم يُبحث بأمر التشكيلات. خير لم يستبعد ما يُتَداوَل من أن التشكيلات قد لا تصدر في عهد المجلس الحالي، وأن إصدارها قد يُرجأ إلى أجل غير مسمى، وخاصة أن عدد أعضاء المجلس انخفض من 10 إلى 6. وبالتالي، فإن قرار مجلس القضاء بهذا الشأن بات بحاجة إلى مصادقة وزير العدل، لأنه بحاجة إلى توقيع 7 أعضاء من المجلس كي يصبح نافذاً حكماً. وإضافة إلى ما ذكر، أعاد خير الإشارة إلى أنه قد يستقيل بعد صدور قانون المجلس الدستوري في الجريدة الرسمية، لكي يصبح متاحاً تعيينه في المجلس المذكور. وفي الوقت عينه، لم يستبعد رئيس مجلس القضاء أن يفاجأ قريباً باستقالات إضافية.
تجدر الإشارة إلى أن القاضي رياشي ليس الوحيد الذي خرج من مجلس القضاء الأعلى. فقبل نحو 3 أسابيع، قدّم القاضي سعد جبور استقالته من عضوية المجلس، بعدما رشّحه زملاؤه لمنصب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في جبل لبنان، وهو موقع أعلى رتبة من مركزه الحالي. ويوم غد، سيحال القاضي أمين بو نصار على التقاعد، علماً بأن رئيس هيئة التفتيش القضائي، القاضي محمد علي عويضة، سبقه في تموز الماضي. ولملء الشواغر، ينبغي أن تنتخب الهيئة العامة لمحكمة التمييز عضوين بدلاً من رياشي وبو نصار، على أن يُعيَّن الآخران بمرسوم.


من إعدام جعجع إلى تنحية عيد

يرأس القاضي رالف رياشي إحدى غرف محكمة التمييز الجزائية، وهو عضو منتخب في مجلس القضاء الأعلى، بعدما كان معيّناً فيه لدورتين متتاليتين ابتداءً من عام 1996. وكان أحد أعضاء المجلس العدلي الذي حكم بالإعدام على قائد القوات اللبنانية سمير جعجع منتصف التسعينيات. والقاضي رياشي هو من أبرز القضاة لناحية الدراسات القانونية والاجتهادات، وهو أحد قاضيين أسهما في وضع مسوَّدة النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعن الغرفة التي يرأسها، صدر نهاية 2007 قرار تنحية القاضي إلياس عيد عن التحقيق في جريمة اغتيال الحريري.