الحاجة أمّ الاختراع، وحين تتخلّف الدولة عن تأمين الخدمات الأساسية لمواطنيها يلجأ هؤلاء إلى استبدالها: يتهافت المستثمرون منهم على اقتناص الفرصة وابتداع أساليب مبتكرة لتحقيق الأرباح، ويقع آخرون تحت رحمة قوانينهم الخاصة، فتنشأ سوق منفلتة من أي رقابة تحكمها الفوضى والأمزجة الخاصة
رنا حايك
تستسلم شركة كهرباء لبنان لـ«الكوما»، لا ينعشها أيّ «توتر»، في وقت تنمو فيه ظاهرة موتور الحي كالطفيليات.
قصة لبنان طويلة مع «التقنين»، ولكل مواطن فيه قصته مع «اشتراكه».
تقطن رانيا في الشياح. أصبح بدل اشتراكها 40 ألف ليرة منذ 5 أشهر، وصار، من حينها، يزيد بنسبة 10 آلاف ليرة شهرياً. إلا أن هذه الزيادة يقابلها خفض في ساعات الإمداد بالكهرباء. تقول: «نحن ندرك بأن المازوت أصبح أغلى، لكن المشكلة أن أصحاب الموتورات، تماماً كالدولة، يطالبون بحقهم دون القيام بواجبهم». هي تقصد بذلك الحيل التي يعمدون إليها لتحقيق المزيد من الأرباح. تشرحها قائلة: «هو لا يشغل الموتور فور انقطاع الكهرباء، بل يتأخر أحياناً لساعتين أو أكثر تحت حجة أنه يصلحه، أو يريّحه».
أما الحيلة الأخطر فهي تلك التي يعتمدها الكثيرون من أصحاب الموتورات كما تفيد: «يسرق خطاً كهربائياً مختلفاً عن ذلك الذي يغذّي الحي، وحين نغرق في الظلام، يحوّلنا عليه موهماً إيّانا بأنه قد شغّل مولّده!».
أما في بشامون، فتقول بدر إنها: «حارة كل مين إيدو إلو. فصاحب المولّد لا يشغّله خلال النهار، بل يقوم بذلك فقط إذا انقطعت من السادسة مساء حتى منتصف الليل، وهذا يحدث 3 مرات في الأسبوع. في المقابل، يتقاضى 50 دولاراً في الشهر».
إلا أن حبّ صاحب المولد للسهر و«مزاجه الخاص والرائق» هما بمثابة العزاءات الوحيدة لبدر: «إذا كان مثلاً يشاهد فيلماً على التلفزيون يمتد إلى ما بعد منتصف الليل، يترك المولد شغالاً».
تعم الفوضى حين يترك لمتوسطي الدخل والمستثمرين الصغار أمور «تصريف أعمالهم». فـ«صاحب الاشتراك المتواضع» يشتري ويشغّل «موتوراً متواضعاً»، يحمّله أكثر من طاقته ليحقق الاستفادة القصوى منه، النتيجة: الساعة «بتّك»، والمولد يتعطّل كثيراً.
لذلك، يبدو من الطبيعي أن تكون علاقة السيدة جورجيت ممتازة بـ«إيلي» الذي يمدّها بالكهرباء لقاء 80 $ في الشهر في منطقة مثل الحازمية، مار تقلا. فهناك، «كله مهفهف، كله نظيف» كما تقول كلمات الأغنية.
في مقابل سيل الشكاوى الذي يحيط المشتركون به أصحاب المولّدات، يدحض هؤلاء معظم التّهم الموجهة إليهم، ويبررونها. يقول أحدهم: «أشغّل المولد فور انقطاع الكهرباء. اضطررت إلى زيادة قيمة الاشتراك بنسبة 3 مرات بسبب غلاء المازوت». ويؤكد أن أرباحه خفّت، بسبب الارتفاع العالمي لأسعار الوقود، وحين نسأله عن تأثير التراجع النسبي لهذه الأسعار عليه يقول: «لم نتأثر، لأننا أصلاً نشتري المازوت السوري المهرّب».
مهرّب؟ يعني أرخص! مما يستتبع أن يكون الاشتراك أرخص.
هذا ما افترضناه، لكن جوابه سرعان ما دحض هذا الافتراض: «ليس أرخص بكثير، فنحن نشتري التنكة بـ30 ألف ليرة، يعني أرخص من السوق بـ10 آلاف ليرة فقط، إضافة إلى أنه من الصعب تأمينه».
وفيما تغرق بعض المناطق في بيروت في مشاكلها بين مشترك وصاحب مولّد، تغرق مناطق أخرى في ظلام دامس. فبلدية بيروت تتشدّد في منع الاشتراكات في بيروت الإدارية. النتيجة: شراء السكان مولداً خاصاً لمبناهم، وإلا... انتظار الفرج. طبعاً لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات، ففي منطقة الحمرا مولد واحد فرض صاحبه اشتراكاً يبلغ 60$ منذ عدة أشهر، ففقد بعضاً من زبائنه، لكنه لم يتراجع، فهو الخيار الوحيد للمواطنين..