بعد أسابيع من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرّر، بدأ اللبنانيون يبتكرون طرقهم الخاصّة أو «تقنيات بؤسهم» للتأقلم مع التقنين المفروض عليهم
ليال حداد
«والله معهن حق لمّا بيحرقو دواليب»، تقول ميراي الحاج ، وهي ربة منزل، تعبيراً عن سخطها من الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي الذي يعيق حياتها العادية واعمالها المنزلية. تدهورت الحالة النفسية لهذه السيدة الأربعينية في الأسابيع الأخيرة حيث باتتشغل البيت مرتبطاً بمواعيد التقنين «لم أعد أعلم في أي وقت يجب أن أكوي الثياب أو أغسلها»، فالمكواة والغسالة الكهربائية لا تعملان على «الأمبيرات» الخمسة التي يؤمّنها اشتراك المولد الكهربائي.حالة السيدة هذه، تختصر وضع اللبنانيين ومشاكلهم المتفاقمة في ظل التقنين.
غير أن وضع ميراي الحاج يبدو بسيطاً أمام ما تعانيه دلال صدّي، التي بدأت جولة على الشقق والبيوت في منطقتها لتقنع جيرانها بإطلاق حركة احتجاجية في الحي الذي تقطنه في منطقة الدكوانة. فمشكلة الكهرباء بالنسبة إلى هذه السيدة، قضية حياة أو موت، حرفيا ن ومن دون مبالغة «والدي بحاجة إلى إنعاش كل ساعتين على آلة خاصة بمرضى الربو، وأغلب الأوقات تكون الكهرباء مقطوعة». والمولّد الكهربائي؟ «صاحبه سافل»، تقولها بكل بساطة وتصرّ على أن ننشرها في الصحيفة على لسانها لكونه يتقاضى «ثمانين دولاراً لقاء خمسة أمبيرات، ولا يشغّل مولده إلا نادراً». لكل هذه الأسباب باتت دلال تفكّر رسمياً في نقل والدها إلى إحدى دور العجزة «حيث يعلمون كيف يعتنون بصحّته ولديهم مولداتهم الخاصة».
أما شادي شاهين، فوجد الطريقة الأمثل لحل مشكلة الكهرباء المزمنة وكلفة بدائلها المرتفعة: اشترى مروحة من الصين تولّد الطاقة من الهواء «دفعت ألف دولار ثمن المروحة ولكنني سأوفّر الكثير من المال في هذا البلد». اتّفق شادي مع مجموعة من زملائه في العمل على استيراد المراوح «وحتى الساعة يبدو عملها ممتازا، فهي توفّر الكهرباء في أي وقت دون أي مصروف».
تختلف الحالات إلا أنها تصبّ في الخانة نفسها، حيث يلجأ كل لبناني إلى التأقلم بطريقته الخاصة مع «لعبة الكهرباء». مثلاً لجأ سكان أحد الأبنية في منطقة سن الفيل إلى شراء مولّد للكهرباء للبناية هربا من اسعار الإشتراكات التي يتحكم بها اصحاب المولدات «ولكن هيهات ندوّرو، سعر المازوت بالغيم» يقول ميشال موسى، أحد سكان المبنى، نزع المكيّف من منزله وباعه لصهره «لشو؟ لا أستفيد منه وقسطه على الفاضي».
غير أن أكثر من تأثّر بهذا الانقطاع هم اللحامون دون منازع، حيث خفّ بيعهم بنسب ملحوظة. هذا ما يؤكّده اللحام جان بلوط، «لم يعد سكان المنطقة يشترون كميات كبيرة من اللحوم خوفاً من فسادها». يتفهّم بلوط، هذه الحالة ويلوم الدولة التي لا تزيد من إنتاج الطاقة لتسد العجز في التغذية. كذلك الأمر بالنسبة إلى بائعي الأجبان والألبان، حيث تفسد المنتجات في البرادات، إذ بات السكان يفضلون شراء الحبوب والطعام الذي يمكن الاحتفاظ به خارج البراد «بتنا نشتهي المرتديلات والأجبان» تقول الممرضة إيفون رعد، وتضيف «قبل أسبوعين رميت ما يزيد على أربعة قوالب جبنة ومن يومها لم أعد أشتري إلا كمية يمكن استهلاكها في وجبة واحدة»، وتختم ساخرة «أصبحنا نوفّر المال غصباً عنّا، إذ لم تعد مشترياتنا كما كانت».