خالد صاغيةمن بين النوم على حرير والنوم بأعين مفتوحة، وبعد الدعوة لتحديد مفهوم الوطن والمواطن والمواطنية، وبالتزامن مع رفض احتكار أيّ طائفة لأي بقعة جغرافية، أعطى الرئيس نبيه بري ضوء «المعارضة» الأخضر للمباشرة بمشروع خصخصة قطاع الكهرباء، متسائلاً عن أسباب التأخير في هذا الإنجاز الوطنيّ الكبير. هكذا، ببساطة، وبعد ثلاث سنوات من انتقاد السياسات الاقتصادية السابقة، تتبنّى «المعارضة» ركناً أساسياً في تلك السياسات.
فبعد النظام الضريبي المتحيّز لمصلحة الأثرياء، وبعد السياسات المالية التي أعادت توزيع الدخل بالمقلوب، وبعد المضاربات العقارية، وبعد اللعب بالتعرفات الجمركية، وبعد، وبعد... كان لا بد من الخصخصة كي يكتمل مشروع النهب المنظّم، وكي تعلن المدرسة النيوليبرالية إنهاء مهمّتها في لبنان، بعد إعادة ترميم التسلّط الطبقي الذي كان عنف الحرب الأهليّة قد هزّ بعض دعائمه.
لكنّ الغريب أنّ رئيس المجلس النيابي لم يُبدِ حماسة للخصخصة بحدّ ذاتها. لقد خصّ الكهرباء بحماسته لتسليم هذا المرفق العام إلى القطاع الخاص اللاهث وراء مراكمة الأرباح على حساب الحاجات الأساسية للمواطنين. ربّما كانت الحماسة لخصخصة الخلوي «أهون شرّاً»، أمّا الحماسة لوضع الماء أو النور تحت رحمة السوق وتقلّباته واحتكاراته، فهذا ما يصعب فهمه. وقد حاول المرجع «المعارض» تبرير موقفه قائلاً إنّ الدولة قد أثبتت أنّها منتج فاشل للكهرباء. لكنّ هذه الحجّة من النوع الذي «لا يقلي عجّة». فإذا كان الحكم على الدولة بالفشل في مجال ما، يبيح نقل مسؤولياتها إلى القطاع الخاص، لوجب علينا خصخصة لائحة طويلة من الأمور، بدءاً بالأمن مثلاً. ألم تثبت الدولة فشلها في حفظ الأمن ومنع الاغتيالات والتفجيرات؟ هل علينا أن نحاكم المطالبين بتعزيز الجيش والقوى الأمنية، وأن ندلّهم على طريق آخر يقضي بتسليم قطاع الأمن إلى الشركات الخاصّة؟ وإذا كان الأمن مسألة سياديّة لا يجوز للدولة التخلّي عنها، فإنّ لقمة عيش المواطن وحاجاته الأساسية هي بالتأكيد مسائل لا تقلّ سياديّةً.
الواقع أنّ «الدولة» لم تفشل في إنتاج الكهرباء. إنّ السياسات التي اتّبعها الطاقم المنادي بالخصخصة هي التي أدّت إلى وصول الوضع إلى ما هو عليه. الأحرى تغيير هذا الطاقم، لا تغيير المولّدات.