بيار أبي صعبسيصبح لبيروت قريباً «دار للثقافة والفنون». وزير الثقافة تمام سلام، أطلق الأسبوع الماضي، من «نقابة المهندسين اللبنانيين»، مسابقة عالميّة لتصميم المبنى الذي يقوم على هبة من عُمان قدرها ٢٠ مليون دولار. ويبدو أن لجنة المتابعة التي ألّفها وزير الثقافة السابق طارق متري، بعد إبرام الاتفاقيّة بين السلطنة والحكومة اللبنانيّة عام ٢٠٠٦، انكبّت على تحديد المواصفات المطلوبة للمكان. أما المسابقة المعماريّة، فتقام حسب الأصول، ويتطابق نظامها مع توصيات «الأونيسكو» ومعايير «الاتحاد العالمي للمهندسين المعماريين»... وفي آذار المقبل، تُعلن المشاريع الثلاثة الأولى التي ستفوز بجوائز تراوح بين 25 و75 ألف دولار.
كل ذلك ممتاز. قريباً يصبح لدينا القالب إذاً، ولا يبقى أمامنا سوى بعض التفاصيل البسيطة: تأمين ميزانيّة لتشغيل المبنى على المدى المتوسّط والبعيد، وميزانيّة أخرى للبرمجة الثقافيّة والفنيّة. توظيف الكادر المتخصّص على قاعدة الكفاءة والجدارة، بعيداً عن المحسوبيّات والتوازنات المذهبيّة. وضع نظام داخلي يضمن استقلاليّة المؤسسة وانفتاحها على الثقافات الحيّة، عربيّة وعالميّة، كي يؤدّي «المركز اللبناني ــــ العُماني» (هذا اسمه) دوراً طليعياً ومرجعيّاً في لبنان والمنطقة. وأخيراً، خلق بنية إداريّة ديناميّة، وتعيين مدير كفوء أقرب إلى الجيل الشاب، معنيّ بالإنتاج الثقافي، ومطّلع على ما يحدث في لبنان والعالم، وقادر على وضع سياسة برمجة مستقلّة عن الوصايات السياسيّة... مدير يحمي المكان من أن يتحوّل إلى «قصر أونيسكو» آخر، فاقد الهويّة، محكوم بالذهنيّة السياحيّة و«المناسباتيّة». يبقى أيضاً سؤال: في بلد مسارحه على شفير الإفلاس، وغاليريهاته شبه مقفرة، وجمهور الثقافة الجادة فيه لم يعد يتجاوز بضعة آلاف... هل بناء «دار الثقافة والفنون» ــــ على أهميّتها ــــ كاف لخلق الازدهار المنشود، ووضع الثقافة في صلب اهتمام الأفراد وممارساتهم اليوميّة؟.
بعد النهاية المفترضة للحرب الأهليّة، قامت مشاريع الإعمار على ترميم الواجهة وبناء الحجر... ولم يُشغل أحد ببناء البشر: أي بالتربية المدنيّة والثقافة، بالمدرسة والجامعة والتلفزيون الوطني، بالضمان الصحّي والاجتماعي والأحوال الشخصيّة... فما هي اليوم شروط قيام نهضة ثقافيّة، تعطي للمعمار المتقن معناه ومبرر وجوده، لكي لا تكون «دار الثقافة» أشبه بالصَدَفة الفارغة؟.