ينتشر الشباب في المقاهي التي كانت منذ وقت ليس ببعيد حكراً على من تعدّى سنّ الأربعين. فيلعبون الشطرنج، و«الورق» وغيرها من ألعاب «الكبار» التقليدية. لكن هؤلاء الشباب لم يتخلّوا عن الألعاب الإلكترونية العصرية، إذ إنهم يمارسونها في السرّ، لكونها تشكّل بالنسبة إلى البعض مصدر خجل
ديما شريف
«ما تنطروني، أنا نازل عالقهوة ويمكن إتأخر»، جملة تسمعها والدة جهاد بشكل شبه يومي. يقضي جهاد معظم أوقات فراغه مع أصدقائه في لعب الورق في أحد المقاهي مع أنّه مهووس بالألعاب الإلكترونية منذ طفولته. وحين يكون وحيداً في غرفته، فيعود إلى هوسه بلعبتي «Civilisation»، و«Half life». تسأله عن الجلوس مع الكبار في السن في المقهى فيضحك لأن المكان يعجّ بأقرانه. أصدقاء جهاد مثله مهووسون كلّ بلعبته المفضلة، يمارسونها في السر كأنها شيء معيب، فيما يمارسون الرياضة، أو الألعاب التقليدية في العلن.
تتكرر الظاهرة، فأينما ذهبت تلاحظ شباناً في المقاهي يلعبون الشطرنج، ورق اللعب، وغيرها مما يمكن اعتباره ألعاباً تقليدية. أما في مقاهي الإنترنت فأعمار الموجودين لا تتعدى 15 عاماً ممن يلعبون ألعاباً إلكترونية. فيما تندر رؤية شبان في العشرينيات ينصرفون إلى هذه الألعاب، فيعمد معظهم إلى استخدام شبكة الإنترنت فقط. ويلفت عدد من أصحاب هذه المقاهي إلى أنّ أعمار الذين يأتون للعب تقلّ سنة عن سنة. وقد أسهم انتشار الحواسيب، ودخولها إلى كل منزل، في مساعدة الشبان على إخفاء هوايتهم السرية.
«يخجل الشاب من إظهار إدمانه على الألعاب الإلكترونية، فيما الأمر لا يعني المراهق». هكذا يفسر المعالج النفسي الدكتور نبيل خوري وهو اختصاصي في التوجيه العائلي هذه الظاهرة. فيبدأ الإدمان على الألعاب الإلكترونية في المراهقة. ويتشارك الشاب مع أصدقائه في هذا الإدمان، وعند نضوجه يخجل منه. فيبقى يمارس هذه الألعاب في «حميمية» غرفته، ولكنه أمام الآخرين يريد إظهار قدراته على ممارسة الرياضة والألعاب الذهنية، كما يقول خوري.
من جهة ثانية، يقول أصحاب بعض المحالّ التي تبيع «سي. دي» الألعاب الإلكترونية إنّ أكثرية زبائنهم هم من الشبان الذين تصل أعمارهم إلى 40 عاماً أحياناً. لا ينفي هؤلاء وجود شريحة من المراهقين بين زبائنهم، ولكن القسم الكبير منهم ناضجون. يمتلك وسيم محلاً يتخصص بالألعاب الإلكترونية. يخبر وسيم قصة مضحكة عن أحد زبائنه، ويشتري منذ سنوات بشكل أسبوعي أحدث الألعاب، ويخبره دائماً أنها لولده الصغير. اكتشف وسيم عن طريق الصدفة، أن «الزبون اللقطة» لديه فتاة واحدة، لم تتجاوز السابعة، ويشتري الألعاب لنفسه. إذ أخبرته شقيقته التي تعطي الفتاة دروساً خصوصية أنه يقضي وقته كله في المنزل على حاسوبه يلعب ما يشتريه من وسيم.
أما نادر، طبيب الأسنان الثلاثيني فيمارس هوايته السرية ليلة واحدة في الأسبوع مع ثلاثة من أصدقائه القدامى. فهو مهووس بلعبة الـ«Red Alert». يحصر هوايته بالمقربين منه لأنه يثق بهم، ولا يتكلمون بالموضوع مع أحد. وبالنسبة إلى مكان اللقاء، يذهب الأصدقاء إلى مقهى إنترنت يملكه قريب أحدهم، في وقت متأخر من الليل كي لا يصادفوا أحداً فيه.
من جهته، يشير خوري إلى أنّ الحياة الاجتماعية للشبان بعد العشرين تتوسع ويتعرفون إلى الجنس اللطيف، ما يجعلهم في منافسة دائمة مع أقرانهم للفت انتباه الصبايا. فالنزوات لدى الشاب أقوى من تلك لدى المراهق، والتفاعل المجتمعي أكبر. ويحاول الشاب أن يبرهن لأقرانه أنه يتمتع بقدرات ذهنية. وهذا ما يسميه خوري «التشاوف» وهو تعريبه الخاص لكلمة «Show «Off. هنا يحاول الشاب فرض تفوّقه الجسدي والذهني، وينفي تهمة ممارسة الألعاب الإلكترونية ويعتبرها مخصصة للأطفال.


إدمان علني

لا يخجل أحمد، الطالب في كلية إدارة الأعمال، من إدمانه الكبير على الألعاب الإلكترونية. هو لا يخفي هوسه بها عن أحد، بل يخبر الجميع بذلك. وهو لا يهتم كثيراً بكلام أصدقائه وسخرية بعضهم من هوايته باعتبار أنها تخص المراهقين. في السابق، كان أحمد ينغمس في لعبة الـ«FIFA، Counterstrike، وRed Alert» لفترة طويلة كانت تمتد أحياناً إلى ثلاث عشرة ساعة في اليوم. لكن المدة انخفضت بعدما بدأ يعمل بدوام جزئي إلى جانب دراسته، ما جعله يتأسف على الوقت المخصص لألعابه المقدسة الذي أصبح ست ساعات فقط يومياً. لا يهتم أحمد برأي الفتيات في هوايته، ويؤكد أنه يبحث عن فتاة تتقبل هوسه هذا. هو لا يزال يجد وقتاً للقراءة والخروج مع الأصدقاء.