يمضي الأطفال ساعات طويلة مستسلمين لسحر ألعاب الفيديو، يبدي الأهل فرحاً لأن صغارهم «يفهمون لغة العصر وتكنولوجياته الحديثة»، ويعتقدون أن المخاطر تقتصر على العين. الصغار باتوا يعيشون في عوالم افتراضية، وثمة باحثون يعلنون أن هذه الألعاب تطوّر قدرات الصغار

خضر سلامة
يجلس مايك ذو الـ8 أعوام على طاولتك نفسها، تحاول أن تخلق حديثاً معه، لكنه يستمر في تجاهلك إلى أن تتلفظ بكلمة ما تتعلق بلعبته المفضلة «GTA»، يلتفت مايك عندها إليك بسرعة ويجيب عن أسئلتك، في انتظار أن تقول له ما تعرفه عن هذه اللعبة وعن بطلها رجل المافيا واللص والقاتل الذي يتقمصه مايك في كل مرة يلعب «GTA».
يقضي الأطفال ساعاتٍ كثيرة في قبضة ألعاب الفيديو، تسرقهم من علاقاتهم اليومية بالأسرة أو بالأصدقاء أو بالمحيط الاجتماعي حولهم، إنها ألعاب تشغل مساحة كبيرة من وقت الأجيال الصاعدة. وتتعدد الدراسات التي تلفت إلى أن الإسراف في استهلاك هذه الألعاب يسبب متاعب في النظر، وسلوكاً عصبياً، ومشكلات ذهنية وقصوراً في النمو الفكري، بعض الأطفال قد يتعرض أيضاً لمشكلات في التحكم بالأعصاب والقدرة على السير، بسبب عدم الانطباق بين حركة الشخصيات على الشاشة، وثبات جسد اللاعب ـــ الطفل أمامها، ومن انعكاسات الإسراف في ألعاب الفيديو الأرق الليلي وفقدان الشهية.
استعمال شاشة بتردد 50 هيرتز تعرض ألعاباً تقدم فلاشات ضوئية سريعة وتغيرات في الألوان والتأثيرات مباشرةً، قد تسبب هلوسة عند الأشخاص المتعرضين لها، لا سيما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاماً.
الدكتور عبد الله عبد العظيم أستاذ جراحة المخ والأعصاب المصري، كان قد أكد أن هذه الألعاب تتطلب تركيزاً كبيراً وتزيد الطفل توتراً، شارحاً «أن تركيز الطفل بشكل زائد عن الحد يؤدي إلى زيادة الكهرباء في الجزء الأمامي من المخ، وفي هذه اللحظة تحدث نوبة أشبه بالصرع».
متخصصون أميركيون في علم النفس نشروا دراسات أخيراً، لفتوا فيها إلى أن ألعاب الفيديو تحرّض خيال الطفل دون أية ضوابط، ودون أن يتمكن القاصر من الفصل بين الواقع والعالم الافتراضي الحركي، ما قد يدفعه للتعامل مع العالم الواقعي على أنه امتداد للوقت الطويل الذي أمضاه متحكماً بشخصيات اللعبة.
الإدمان على «حياة» اللعبة الإلكترونية، يُبعد الطفل عن السلوكيات اللازمة لبناء شخصيته، أي إقامة صداقات والزيارات، هكذا يصير مهدداً بعزلة ذاتية قاسية تتطور إلى أمراض نفسية جدية في الكبر.
في الاجتماع السنوي لرابطة الطب الأميركية، طالبت مجموعة من الأطباء بإدراج إدمان ألعاب الفيديو كاضطراب عقلي في الدليل التشخيصي والإحصائي الأميركي للاضطرابات العقلية، وهو دليل يستخدمه اتحاد الأطباء النفسيين الأميركيين في تشخيص الأمراض العقلية، اللجنة عادت وسحبت اقتراحها في انتظار بحث ستعيد تقديمه بشكل أوسع عام 2012 عن الموضوع.
تشير دراسات نشرها علماء نفس في مجلات أميركية وفرنسية إلى الاعتقاد أن اتجاه الطفل إلى عالم ألعاب الفيديو ليحيا حياة بديلة، هو هروب من مشكلات الأسرة، بمعنى أن تعلّق الطفل باللعبة هو نتيجة لانقطاع العلاقات الأسرية وليس مسبباً لها.
ووصول الطفل إلى مرحلة من «إدمان» على اللعبة، يعود بنسبة كبيرة منه إلى غياب رقابة الأهل والسلطة الأبوية، والإرشاد المطلوب.
دراسة صدرت أخيراً عن جامعة «سانت ليو» الأميركية، أفادت بأن ألعاب الفيديو من شأنها أن تزيد من معدلات السلوك العدواني في مرحلتي الطفولة والمراهقة، وبصفة خاصة لدى الذكور، في وقت أكدت فيه الجمعية الأميركية لعلم النفس أن ألعاب الفيديو تروّج للقدوة السيئة، حيث إن 74% من مقترفي أعمال العنف يفلتون من المحاسبة، ولا يقعون تحت طائلة العقاب في هذه الألعاب، ما يقدم سلوكهم على أنه عمل بطولي.
في كتاب Les Jeux video: pratiques, contenus et enjeux sociaux»، تحدثت البروفسورة المجازة في مادة الآداب المعاصرة، آنيك بريوا عن غياب الاهتمام بالمنحى المنطقي للمعلومات المقدمة في اللعبة، أو عدم التدقيق في صوابية القيم التي تنشرها، فثمة اهتمام مركّز بما هو استهلاكي في اللعبة، كالتصميم الصوري للعبة والمؤثرات الصوتية والمتعة والإثارة، ما قد يعرّض الطفل لتلقين تربوي مشوّه، أما جيروم رودييه، الأستاذ الثانوي في مادة التاريخ والتربية المدنية والقانونية والاجتماعية، فلفت في محاضرة نُشرت في الكتاب إلى أن ألعاب الفيديو تشجع على التلكؤ في القيام بالواجبات المدرسية، ولها انعكاسات سلبية تؤثر على القدرة الاستيعابية للطفل في المدرسة، فيهمل المواد ذات الطابع الأدبي والفني خاصةً.
منذ عام 1996، أقرت في البلدان المتقدمة، قوانين تجبر منتجي ألعاب الفيديو المخصصة للأطفال، على وضع تعليمات مشددة مرفقة باللعبة، إلى جانب تحديد العمر الملائم لكل لعبة، التعليمات التي تقدم في دلائل الألعاب تضم نقاطاً أساسية على الأهل الاطلاع عليها والالتزام بها، كـ«تجنّب اللعب في حالة التعب الجسدي وقلة النوم، الإضاءة الجيدة، الابتعاد عن الشاشة، أخذ استراحة لا تقل عن عشر دقائق بعد كل ساعة لعب، خفض الصوت وتحديد تردد الشاشة على 100 هرتز وغير ذلك من التعليمات».


في عام 2006 قدّم اتحاد العلماء الأميركيين تقنية تحثّ الأطفال على الاهتمام بالمواد التربوية، وذلك عبر تقديمها في شكل ألعاب فيديو. المشروع هدف لمساعدة المدمنين على هذه الألعاب، في شحذ مواهبهم المرتبطة بسوق العمل كالتفكير التحليلي، وتنمية روح الفريق، وإيجاد الحلول للمشاكل رغم الضغوط