طرابلس ـ فريد بو فرنسيسلم تتردد ندى قرحاني (65سنة) لحظة واحدة في العودة الى منزلها في باب التبانة. فقد اطمانت الى أن الهدوء قد استتب، ولا خوف من اندلاع الاشتباكات مجدداً. هكذا، حزمت أمتعتها وتركت «مدرسة النصر للصبيان في الميناء» التي قضت فيها أكثر من شهر. عادت مع ابنها العازب الى منزلها الاصلي الواقع على خط التماس، مخلفة وراءها ولداً آخر بقي «في المدرسة» مع .. زوجته وعائلة من ثمانية أشخاص، أتت النيران على منزلهم بالكامل.
الدخول الى «مدرسة النصر» في الميناء لم يكن عادياً. فشباب «تيار المستقبل»، وهم للمناسبة مراهقون بدوا مرتبكين لجهة المهمة المطلوبة منهم، كانوا «ينظمون الدخول والخروج»، مراقبين كل ما يجري، إضافة الى «تأمين مستلزمات الموجودين وحاجاتهم» كما أشار ماهر عوض المشرف على المدرسة من قبل التيار. هكذا، تراهم يقفون عند المدخل يسألونك من أي وسيلة إعلامية أنت، وعما إذا كان معك تصريح بالدخول والتحدث الى الناس! تتجاوزهم من دون أن تفهم سبب وجودهم هناك، إن لم يكن فقط لتسليم مواد غذائية، وخصوصاً أن المدرسة مؤسسة رسمية. في الداخل تطالعك فتيات صغيرات يحاولن تنظيف ما بقي من مخلفات الإفطار والسحور. تتأفف فاطمة (10 سنوات) من طريقة عيشها بعد تركها وأهلها منزلهم على خط التماس أيضاً. «بيتنا مصاب إصابات مباشرة، وإذا ما قالوا لنا إننا نستطيع العودة فسوف نعود بدون تردد».
أكثر من عشرين عائلة في المدرسة، حوالى مئة وعشرين شخصاً، معظمهم من باب التبانة، موزعين على عشرين غرفة في المدرسة، كل عائلة أعطيت غرفة للعيش فيها، ومنهم من حصل على غرفتين لكثرة أفراد العائلة. التحدث معهم كان صعباً جداً «يومياً هناك إعلاميون. بمَ ينفعنا هذا؟ كل ما نريده قرار يطمئننا الى العودة الى منازلنا ونحن نعود فوراً». تنطبق هذه الحالة على حوالى 240 من أصل 800 عائلة انتشرت في 9 مدارس في مدينة طرابلس هي «النور ، النصر، روضة الميناء، النهضة، مي، النموذجية، الفضيلة، الزاهرية للبنات والصبيان» وكلها تؤوي نازحين جاؤوا من منطقتي التبانة والقبة وسكنوا فيها ريثما تتسنّى لهم العودة مجدداً الى منازلهم، في وقت استنفرت فيه هيئات المجتمع الأهلي والمدني لمساعدتهم على الصمود.
«الحياة خارج بيتك ليست سهلة» تقول آمنة. «إنها حياة مليئة بالذل، وبرغم أن كل شيء متوفر، يبقى الحنين الى المنزل هو الهاجس الوحيد. نريد العودة الى منزلنا رغم الأضرار الكبيرة التي حلت به، فنحن مشتاقون الى الحي والى الجيران، ونحس أننا اليوم في غربة».
يذكر أن مهجري الطرف لم يخرجوا من جبل محسن بل ارتدوا عن خط التماس الى المنطقة الخلفية من الجبل. وبالتالي ستكون حركة العودة «داخلية».