راجانا حميّة«جيش من الأميين (..) قد يحلّ مكان المخزون الاستراتيجي للشعب الفلسطيني في السنوات الخمس المقبلة». هذا ما توصّل إليه مدير مؤسّسة «شاهد لحقوق الإنسان»، محمود الحنفي، وفريقه المساعد في الدراسة الميدانيّة «الأطفال الفلسطينيّون في لبنان: واقع مرير ومستقبل مجهول»، التي تطلقها المؤسسة عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم في دار نقابة الصحافة.
ويضيف الحنفي «أنّ السبب الأساسي الذي يعزّز النقص في المخزون الاستراتيجي الفلسطيني هو أزمة مخيّم نهر البارد» التي «أنهكت نفسيّة طفل مخيّم البارد وأفقدت الأمان لأطفال المخيّمات والتجمّعات الفلسطينيّة الأخرى».
التحليل ليس جديداً، ولكن ما هو جديد هو إثباته عبر دراسة ميدانيّة ترجمت بلغة الأرقام والحقائق هذه التوقعات التي وصفها مدير المؤسّسة محمود الحنفي بـ«المرعبة» في اتصال مع «الأخبار» أمس.
في هذا التقرير، يحاول الحنفي والفريق المساعد المؤلّف من حوالى ثلاثين مندوباً في 12 مخيّماً وتجمّعاً، تسليط الضوء على الواقع الصحّي النفسي والاجتماعي والسلوكي والتربوي الذي يعشيه الأطفال، إضافة إلى مدى تأثير الضغوط الاقتصادية والسياسية والأمنية على واقع الطفل الفلسطيني في لبنان. وإن لم تكن الحقائق التي بيّنتها الدراسة جديدة، إلا أن وضعها بلغة الأرقام قد يكون بداية الانطلاق نحو الإجابة عن أسئلة من نوع «كيف يعاني هذا الطفل؟ وممّ يعاني؟ وكيف تكون المعالجة؟».
لكن قبل التطرّق إلى آليات المعالجة التي كانت في غالبيّتها «وعظيّة» في الدراسة، يمكننا تسجيل 32 تحدّياً أشار إليها التقرير الواقع في تسعين صفحة، نذكر منها «الأكثر تأثيراً» في حياة هذا الطفل، ومنها: سلوكيّات الانفعال والعشوائيّة في التصرّف، سرعة التأثّر بالأقران والتي تكون في الغالب سلبيّة، عدم الشعور بالأمان بشكلٍ عام وحالة العداء للجيش اللبناني بسبب حواجز التفتيش المنتشرة عند مداخل المخيّمات وفيها، غياب الرؤية الصحيحة للأطفال لجهة المستقبل الذي يسعون إلى تحقيقه، وغياب الدوافع النفسيّة لمتابعة التعلّم، وارتفاع معدّلات التسرّب المدرسي، إضافة إلى ظهور معالم الانحراف الخلقي لدى هؤلاء الأطفال.
ولعلّ التحدّي الأكثر إثارة للقلق في حياة الطفل الفلسطيني هو ما يتعلّق بالجانب التربوي، حيث تبيّن من العيّنة التي أجرتها المؤسسة على 433 طفلاً، تراوحت أعمارهم بين 9 و15 عاماً، أنّ ما نسبته 3,5% فقط من المجموع يتقنون القراءة والكتابة، على الرغم من أنّ نسبة المسجّلين في المدرسة بلغت 93,8%. ويُضاف إلى هذه النسبة أيضاً ما مجموعه 65 تلميذاً، أي 15% من 93,8% يفكّرون في ترك المدرسة لعدّة أسباب منها: عدم الرغبة في التعلّم لغياب الأفق (22,4%)، وسوء العلاقة مع الهيئة التدريسيّة (20,4%) والأسباب الاقتصاديّة والاجتماعيّة (18,3%). وقد انعكس هذا الواقع غياباً في الرؤية الصحيحة عند الأطفال لجهة المستقبل الذي يسعون إلى تحقيقه، حيث يتمنّع 33,9% من الأطفال عن التفكير ولو لحظة بمستقبلهم المهني. أمّا الأمر الآخر الذي زاد من شعورهم بعدم فائدة التعليم فهو الواقع الأمني السيئ السائد في المخيّمات والذي زادت سلبيّته عقب أحداث نهر البارد. وفي السياق نفسه، أي الوضع الأمني، وخصوصاً ما حدث في «البارد»، وصلت نسبة عدم الشعور بالأمان إلى 69,7% في البارد، علماً بأنّ النسبة كانت متقاربة مع المخيّمات الأخرى. ويعزو الحنفي هذا التقارب إلى «أنّ أطفال المخيّمات الأخرى يخافون من تكرار تجربة البارد في مناطقها». ولم يقف تأثير «البارد» عند حدود غياب الأمان، فقد تعدّاه إلى ارتفاع نسبة العنف والعدائيّة وكيل الشتائم مرتين عن معدّلها الطبيعي، بحيث تعدّت نسبتها 50%.
وبالعودة إلى الدراسة، فقد تناولت 4 محاور، توزّعت ما بين الدراسة الميدانية واستخلاص النتائج من خلال استطلاع رأي شمل 433 طفلاً، إضافة إلى استطلاع آراء ناشطين في مجال الطفولة. وفي المحورين الأخيرين، خصّص المندوبون ملفاً كاملاً عن واقع مخيّم نهر البارد، ونتائج مجموعات الارتكاز التي تمحورت حول هموم وأحلام الأطفال المقيمين في المخيّمات والنازحين إليها من «البارد». يذكر أنّ العمل على الدراسة استغرق حوالى شهرين (من 21 تشرين الأوّل من العام الماضي إلى 21 كانون الأوّل منه).